[٥٥٩] فإن قيل ، كيف قال تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، ولم يقل والبرد ؛ مع أن السرابيل وهي الثياب تلبس لدفع الحر والبرد وهي مخلوقة لهما؟
قلنا : حذف ذكر أحدهما لدلالة ضده عليه كما في قوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) [آل عمران : ٢٦] ولم يقل والشر ، وكما قال الشاعر :
وما أدري إذا يمّمت أرضا |
|
أريد الخير أيّهما يليني |
أي أريد الخير لا الشر ، أو أريد الخير وأحذر الشر.
[٥٦٠] فإن قيل : لم كان ذكر الخير والحر أولى من ذكر الشر والبرد؟
قلنا : لأن الخير مطلوب العباد من ربهم ومرغوبهم إليه ، أو لأنه أكثر وجودا في العالم من الشر ، وأما الحر فلأن الخطاب بالقرآن أول ما وقع مع أهل الحجاز ، والوقاية من الحر أهم عنده لأن الحر في بلادهم أشد من البرد.
[٥٦١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [النحل : ٨٣] مع أن كلهم كافرون؟
قلنا : قال الزمخشري : الأحسن أن المراد بالأكثر هنا الجمع ، وفي هذا نظر ؛ لأن بعض الناس لا يجوز إطلاق اسم البعض على الكل ؛ لأنه ليس لازما له بخلاف عكسه.
[٥٦٢] فإن قيل : ما فائدة قول المشركين عند رؤية الأصنام (رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) [النحل : ٨٦] والله تعالى عالم بذلك؟
قلنا : لما أنكروا الشرك بقولهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] عاقبهم الله تعالى بإصمات ألسنتهم وأنطق جوارحهم ، فقالوا عند معاينة آلهتهم (رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا) [النحل : ٨٦] أي قد أقررنا بعد الإنكار وصدقنا بعد الكذب طلبا للرحمة وفرارا من الغضب ، فكان هذا القول على وجه الاعتراف منهم بالذنب لا على وجه إعلام من لا يعلم.
الثاني : أنهم لما عاينوا عظيم غضب الله تعالى وعقوبته قالوا (رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا) [النحل : ٨٦] رجاء أن يلزم الله الأصنام ذنوبهم ؛ لأنهم كانوا يعتقدون لها العقل والتمييز فيخف عنهم العذاب.
__________________
[٥٥٩] البيت للمثقب العبدي. وهو في الخزانة ٤ / ٤٢٩. وشرح ابن الأنباري للمفضليات ٥٧٤. وديوان المثقب العبدي.
والبيت من الشواهد في كتب النحو والصرف وغيرها.