الثاني : أنه لو قدر فيه ضمير مفعول على معنى ولا يستطيعونه كان مفيدا أيضا على اعتبار كون الرزق اسما للعين ؛ لأن الإنسان يجوز أن لا يملك الشيء ولكن يستطيع أن يملكه بخلاف هؤلاء فإنهم لا يملكون ولا يستطيعون أن يملكوا.
[٥٥٦] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (مَمْلُوكاً) بعد قوله : (عَبْداً) وما فائدة قوله : (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) بعد قوله : (مَمْلُوكاً) [النحل : ٧٥]؟
قلنا : لفظ العبد يصلح للحر والمملوك ؛ لأن الكل عبيد الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : ٣٠] فقال مملوكا لتمييزه عن الحر ، وقال : (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) [النحل : ٧٥]؟ لتمييزه عن المأذون والمكاتب فإنهما يقدران على التصرف والاستقلال.
[٥٥٧] فإن قيل : المضروب به المثل اثنان وهما المملوك والمرزوق رزقا حسنا فظاهره أن يقال هل يستويان ، فكيف قال تعالى : (يَسْتَوُونَ) [النحل : ٧٥]؟
قلنا : لأنه أراد جنس المماليك وجنس المالكين لا مملوكا معيّنا ولا مالكا معينا.
الثاني : أنه أجرى الاثنين مجرى الجمع.
الثالث : أن «من» تقع على الجمع ، ولقائل أن يقول على الوجه الثالث يلزم منه أن يصير المعنى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا وجماعة مالكين هل يستوون ، إنه لا يحسن مقابلة الفرد بالجمع في التمثيل.
[٥٥٨] فإن قيل : «أو» في الخبر للشك ، والشك على الله تعالى محال ، فما معنى قوله : (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧]؟
قلنا : قيل «أو» هنا بمعنى بل كما في قوله تعالى : (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] وقوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [النحل : ٧٤] وقوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٩] ويرد على هذا أن بل للإضراب ، والإضراب رجوع عن الإخبار وهو على الله محال.
وقيل : هي بمعنى الواو في هذه الآيات.
وقيل : أو للشك في الكل لكن بالنسبة إلينا لا إلى الله تعالى ، وكذا في قوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٩] يعني بالنسبة إلى نظر النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وقال الزّجّاج : ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر ؛ ولكن المراد وصف قدرة الله على سرعة الإتيان بها متى شاء.