قلنا : قال الزمخشري رحمهالله : إنما أتى بلفظة من لأنه أراد معنى البعضية ، وأن لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر ولا في كل مكان من الجبل والشجر. وأنا أقول : إنما ذكره بلفظه «من» لأنه أراد كون البيت بعض الجبل وبعض الشجر كما نشاهد ونرى من بيوت النحل ، لأنه يتخذ من طين أو عيدان في الجبل والشجر كما تتخذ الطيور ، فلو أتى بلفظة «في» لم تدل على هذا المعنى ، ونظيره قوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [الشعراء : ١٤٩].
[٥٥٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٢] وأزواجنا لسن من أنفسنا ، لأنهن لو كنّ من أنفسنا لكنّ حراما علينا ، فإن المتفرعة من الإنسان لا يحل له نكاحها؟
قلنا : المراد بهذا أنه خلق آدم ثم خلق منه حواء ، كما قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء : ١].
الثاني أن المراد من خلقكم كما قال تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨].
[٥٥٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) [النحل : ٧٣] فعبر بالواو والنون وهما من خواص من يعقل؟
قلنا : كان فيمن يعبدونه من دون الله من يعقل كالعزير وعيسى والملائكة عليهم الصلاة والسلام فغلبهم.
[٥٥٤] فإن قيل : لم أفرد في قوله تعالى : (ما لا يَمْلِكُ) ثم جمع في قوله : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ)؟ [النحل : ٧٣].
قلنا : أفرد نظرا إلى لفظ ما ، وجمع نظرا إلى معناها ، كما قال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [النحل : ١٢ ، ١٣] أفرد الضمير نظرا إلى لفظها ، وجمع الظهور نظرا إلى معناها.
[٥٥٥] فإن قيل : ما فائدة نفي استطاعة الرزق بعد نفي ملكه والمعنى واحد ؛ لأن نفي ملك الفعل هو نفي استطاعته ، والرزق هنا اسم مصدر بدليل إعماله في «شيئا»؟
قلنا ليس في يستطيعون ضمير مفعول هو الرزق ؛ بل الاستطاعة منفية عنهم مطلقا ؛ معناه لا يملكون أن يرزقوا ، ولا استطاعة لهم أصلا في رزق أو غيره لأنهم جماد.