[٥٤٢] فإن قيل : هذا إلزام للذين عبدوا الأصنام وسموها آلهة تشبيها بالله فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق ، فظاهر الإلزام يقتضي أن يقال لهم : أفمن لا يخلق كمن يخلق؟
قلنا : لما سووا بين الأصنام وخالقها سبحانه وتعالى في تسميتها باسمه وعبادتها كعبادته فقد سووا بينها وبين خالقها قطعا ، فصح الإنكار بتقديم أيهما كان ، وإنما قدم في الإنكار عليهم ذكر الخالق ، إما لأنه أشرف ، أو لأنه هو المقصود الأصلي من هذا الكلام تنزيها له وإجلالا وتعظيما.
[٥٤٣] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى في وصف الأصنام (غَيْرُ أَحْياءٍ) [النحل : ٢١] بعد قوله تعالى : (أَمُوتُ) [النحل : ٢١]؟
قلنا : فائدته أنها أموات لا يعقب موتها حياة احترازا عن أموات يعقب موتها حياة. كالنطف والبيض والأجساد الميتة ، وذلك أبلغ في موتها ، كأنه قال : أموات في الحال غير أحياء في المآل.
الثاني : أنه ليس وصفا لها بل لعبادها ؛ معناه : وعبادها غير أحياء القلوب.
الثالث : أنه إنما قال غير أحياء ، ليعلم أنه أراد أمواتا في الحال ، لا أنها ستموت كما في قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠].
[٥٤٤] فإن قيل : كيف عاب الأصنام وعبادها بأنهم لا يعلمون وقت البعث فقال تعالى : (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النحل : ٢١] والمؤمنون الموحدون كذلك؟
قلنا : معناه وما يشعر الأصنام متى يبعث عبادها ، فكيف تكون آلهة مع الجهل؟
أو معناه : وما يشعر عبادها وقت بعثهم لا مفصلا ولا مجملا ؛ لأنهم ينكرون البعث ، بخلاف الموحدين فإنهم يشعرون وقت بعثهم مجملا أنه يوم القيامة وإن لم يشعروه مفصلا.
[٥٤٥] فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [النحل : ٢٤] كيف يعترفون بأنه من عند الله تعالى بالسؤال المعاد في ضمن الجواب ثم يقولون هو أساطير الأولين؟
قلنا : قد سبق مثل هذا السؤال وجوابه في سورة الحجر في قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦].
[٥٤٦] فإن قيل : كيف قال هنا (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥] وقال في موضع آخر : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤]؟