قلنا : معناه ومن أوزار إضلال الذين يضلونهم ، فيكون عليهم وزر كفرهم مباشرة ووزر كفر من أضلوهم تسببا ، فقوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً) [النحل : ٢٥] يعني أوزار الذنوب التي باشروها. وأما قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] فمعناه : وزر لا مدخل لها فيه ولا تعلق له بها مباشرة ولا تسببا ، ونظير هاتين الآيتين الآيتان الأخريان في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] إلى قوله تعالى : (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] وجوابهما مثل جواب هاتين الآيتين.
[٥٤٧] فإن قيل : قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) [النحل : ٤٠] الآية ، يدل على أن المعدوم شيء ، ويدل على أن خطاب المعدوم جائز ، والأول منتف عند أكثر العلماء ، والثاني منتف بالإجماع؟
قلنا : أما تسميته شيئا فمجاز باعتبار ما يئول إليه ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج : ١] وقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] وأما الثاني فإن هذا خطاب تكوين يظهر به أثر القدرة فيمتنع أن يكون المخاطب به موجودا قبل الخطاب ، لأنّه إنما يكون بالخطاب فلا يسبقه ، بخلاف خطاب الأمر والنهي.
[٥٤٨] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) [النحل : ٤٩] كيف لم يغلب العقلاء من الدواب على غيرهم كما في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [النور : ٤٥] الآية ، بل أولى لأنه ثم وصف ما لا يعقل بخصوصه بلفظ «من» وهو الحية والأنعام ، وهنا لو قال من في السموات ومن في الأرض لا يلزم وصف ما لا يعقل بخصوصه وتعيينه بلفظة «من» بل المجموع؟
قلنا : لأنه أراد عموم كل دابة وشمولها ، فجاء بما التي تعم النوعين وتشملهما ، ولو جاء بمن لخصّ العقلاء.
[٥٤٩] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) [النحل : ٦١] يقتضي أنه لو آخذ الظالمين بظلمهم لأهلك غير الظالمين من الناس ، ولأهلك جميع الدواب غير الناس ، ومؤاخذة البريء بسبب ظلم الظالم لا يحسن بالحكيم؟
قلنا : المراد بالظلم هنا الكفر ، وبالدابة الظالمة وهي الكافر ، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل معناه : لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء.