قلنا : لو كان ثبوته فيها بالقياس على ثبوته في الأنعام لثبت حل الأكل في الخيل بالقياس على ثبوته في الأنعام أيضا ، ولو ثبت حل الأكل في الخيل بالقياس لثبت في البغال والحمير ، كما ثبت الحمل والحراثة ثبوتا شاملا للكل بالقياس على ثبوته في الأنعام.
والجواب عن الجهة الثانية في أصل السؤال أن هذه اللام ليست لام التعليل بل لام التمكين ، كقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) ومع هذا يجوز في الليل غير السكون.
[٥٤٠] فإن قيل : كيف قال الله تعالى في وصف ماء السماء (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النحل : ١١] ولم يقل كل الثمرات ؛ مع أن كل الثمرات تنبت بماء السماء؟
قلنا : كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة ، وإنما ينبت في الدنيا بعض منها أنموذجا وتذكرة ، فالتبعيض بهذا الاعتبار ، فيكون المراد بالثمرات ما هو أعم من ثمرات الدنيا ، ومن يجوّز زيادة «من» في الإثبات يحتمل أن يجعلها زائدة هنا.
[٥٤١] فإن قيل : قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧] المراد بمن لا يخلق الأصنام بدليل قوله تعالى بعده : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل : ٢٠] فكيف جيء بمن المختصة بأولي العلم والعقل؟
قلنا : خاطبهم على معتقدهم ؛ لأنهم سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم ، ونظير هذا قوله تعالى في الأصنام أيضا : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] الآية ، فأجرى عليهم ضمير أولي العلم والعقل لما قلناه.
ويرد على هذا الجواب أن يقال : إذا كان معتقدهم خطأ وباطلا فالحكمة تقتضي أن ينزعوا عنه ويقلعوا ، لا أن يبقوا عليه ويقروا في خطابهم على معتقدهم إيهاما لهم أن معتقدهم حقّ وصواب.
وجوابه : أن الغرض من الخطاب الإفهام ، ولو خاطبهم على خلاف معتقدهم ومفهومهم فقال : أفمن يخلق كما لا يخلق ، لاعتقدوا أن المراد من الثاني غير الأصنام من الجماد.
الثاني : قال ابن الأنبازي : إنما جاز ذلك لأنها ذكرت مع العالم فغلب عليها حكمه في اقتضاء «من» كما غلب على الدواب في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] الآية ، وكما في قول العرب : اشتبه عليّ الراكب ، وجمله : فما أدري من ذا ومن ذا.