قوله : (حَتَّى يَقُولا : إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ).
«حتى» : حرف غاية
ونصب ، وهي هنا بمعنى «إلى» ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» ولا يجوز إظهارها ،
وعلامة النصب حذف النون ، والتقدير : إلى أن يقولا ، وهي متعلقة بقوله : (وَما يُعَلِّمانِ) ، والمعنى أنه ينتفي تعليمهما أو إعلامهما على ما مضى من
الخلاف إلى هذه الغاية ، وهي قولهم : (إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
وأجاز أبو البقاء
ـ رحمهالله ـ أن تكون «حتى» بمعنى «إلا» قال : والمعنى : وما يعلمان
من أحد إلّا أن يقولا وهذا الذي أجازه لا يعرف عن أكثر المتقدمين ، وإنما قاله ابن
مالك ؛ وأنشد : [الكامل]
٧١٠ ـ ليس العطاء من الفضول سماحة
|
|
حتّى تجود وما
لديك قليل
|
قال : تقديره :
إلا أن تجود.
و «حتى» تكون حرف
جر بمعنى «إلى» كهذه الآية ، وكقوله : (حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ) [القدر : ٥] ،
وتكون حرف عطف ، وتكون حرف ابتداء فتقع بعدها الجمل ؛ كقوله: [الطويل]
٧١١ ـ فما زالت القتلى تمجّ دماءها
|
|
بدجلة حتّى ماء
دجلة أشكل
|
والغاية معنى لا
يفارقها في هذه الأحوال الثلاثة ، فلذلك لا يكون ما بعدها إلا غاية لما قبلها :
إما في القوة ، أو الضعف ، أو غيرهما ، ولها أحكام أخر ستأتي إن شاء الله تعالى.
و «إنما» مكفوفة ب
«ما» الزائدة ، فلذلك وقع بعدها الجملة ، وقد تقدم أن بعضهم يجيز إعمالها ،
والجملة في محلّ نصب بالقول ، وكذلك : «فلا تكفر».
فصل في المراد بالفتنة
المراد هاهنا
بالفتنة المحنة التي بها يتميز المطيع عن العاصي ، كقولهم : فتنت الذهب بالنار إذا
عرض على النار ليتميز الخاصّ عن المشوب ، وقد بيّنا الحكمة في بعثة الملكين لتعليم
السحر.
فالمراد أنهما لا
يعلمان أحدا السحر ولا يصفانه لأحد ، ولا يكشفان له وجوه
__________________