العصاة ، ويكون أراد بالخلود المكث الطويل ، ثم بعد ذلك يخرجون.
وقوله : (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) إلى آخره تقدم نظيره.
وقرى (١) «خطاياه» تكسيرا ، وهذه مخالفة لسواد المصحف ؛ فإنه رسم «خطيئته» بلفظ التوحيد ، وتقدم القول في تعريف خطايا.
فصل في لفظة «بلى»
قال صاحب «الكشاف» (٢) : بلى إثبات لما بعد حرف النفي ، وهو قوله : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) ـ أي : بلى تمسكم أبدا بدليل قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي ، قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ولما كان من الجائز أن يظن أن كلّ سيئة صغرت أو كبرت ، فحالها سواء في أنّ فاعلها يخلد في النّار لا جرم بيّن تعالى أن الذي يستحقّ به الخلود أن يكون سيئة محيطة به ، ومعلوم أن لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر كإحاطة السّور بالبلد والكوز بالماء ، وذلك هاهنا ممتنع ، فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة لوجهين :
أحدهما : أن المحيط يستر المحاط به ، والكبيرة لكونها محيطة لثواب الطاعات كالسّاترة لتلك الطاعات ، فكانت المشابهة حاصلة من هذه الجهة.
والثاني : أن الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطّاعات ، فكأنها استولت على تلك الطاعات ، وأحاطت بها كما يحيط العسكر بالإنسان بحيث لا يتمكن (٣) من التخلص منه ، فكأنه ـ تعالى ـ قال : بلى من كسب كبيرة وأحاطت كبيرته بطاعاته ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
فإن قيل : هذه الآية وردت في حق اليهود؟
[فالجواب](٤) : العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب ، هذا وجه استدلال المعتزلة في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر.
وقد اختلف أهل القبلة [فيه](٥) فمنهم من قطع بوعيدهم وهم فريقان ؛ منهم من أثبت الوعيد المؤبّد ، وهم جمهور المعتزلة والخوارج.
ومنهم من أثبت وعيدا منقطعا ، وهو قول بشر المريسي.
ومنهم من قطع بأنه لا وعيد لهم ، وهو قول شاذّ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر.
__________________
(١) انظر البحر المحيط : ١ / ٤٤٥ ، والدر المصون : ١ / ٢٧٤.
(٢) ينظر الكشاف : ١ / ١٥٨.
(٣) زاد في ب : الإنسان.
(٤) في أ : وقلنا.
(٥) سقط في ب.