فصل هل يدخل النسخ في الأخبار؟
اختلفوا في الأخبار هل يدخلها النسخ (١)؟
فالجمهور على أن النسخ لا يدخل الخبر ، لاستحالة الكذب على الله تعالى.
وقيل : إن الخبر إذا تضمّن حكما شرعيّا جاز نسخه ، كقوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) [النحل : ٦٧].
فصل هل يجوز حمل الجنب للقرآن الكريم؟
القرآن المنسوخ التلاوة يجوز للجنب حمله ، ولو صلى به لم تصح صلاته.
فصل في استدلال المعتزلة بهذه الآية على خلق القرآن
استدلت المعتزلة بهذه الآية على [خلق القرآن](٢) من وجوه :
أحدها : أن كلام الله ـ تعالى ـ لو كان قديما لكان الناسخ والمنسوخ قديمين وذلك
__________________
(١) تنوعت آراء الأصوليّين في موضوع النّسخ : فالمذهب الذي عليه أئمّة العلماء ؛ وهو أن النّسخ إنما يكون في المتعبّدات ؛ لأن لله ـ عزوجل ـ أن يتعبد خلقه بما شاء ، إلى أيّ وقت شاء ، ثم يتعبدهم بغير ذلك ، فيكون النّسخ في الأوامر والنواهي ، وما كان في معناهما ؛ مثل قوله تعالى : «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ» [النور : ٣] وقوله تعالى في سورة يوسف ـ عليهالسلام ـ : «قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً» [يوسف : ٤٧].
فالأولى : مثال للخبر الذي بمعنى النّهي ؛ لأن المعنى : لا تنكحوا زانية ولا مشركة.
والثانية : مثال للخبر الذي بمعنى الأمر ، لأنّ المعنى : «ازرعوا».
وهذا المذهب عزي إلى الضّحّاك بن مزاحم.
والثاني : أن النّسخ كما يكون في الأوامر والنّواهي يكون في الأخبار ، وينسب ل «عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، والسّديّ» ؛ حيث قالا : «قد يدخل النّسخ على الأمر والنهي ، وعلى جميع الأخبار» ، ولم يفصّلا ، وتابعهما على هذا القول جماعة.
قال أبو جعفر : «وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر» ؛ لأن قائلا لو قال : «قام فلان» ، ثمّ قال : «لم يقم» ، ثم قال : «نسخته» ـ لكان كاذبا.
والثّالث : منهم من ذهب إلى أنّ أمر النّاسخ والمنسوخ موكول إلى الإمام ، فله أن ينسخ ما شاء ، وهذا القول أعظم ، لأنّ النسخ لم يكن إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلا بالوحي من الله ـ تعالى ـ : إمّا بقرآن مثله ؛ على قول قوم ، وإمّا بوحي من غير القرآن ، فلما ارتفع هذا بموت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، ارتفع النّسخ.
والرابع : منهم من ذهب إلى أنّ النّسخ يكون في الأوامر والنّواهي ، وأمّا الأخبار فيفصل فيها بين ما فيه حكم ، فيجوز النّسخ فيه ، وبين ما لا حكم فيه ، فلا يجوز.
والخامس : منهم من ذهب إلى أنّ النّسخ يكون في الأوامر والنّواهي خاصة.
وهذا المذهب حكاه هبة الله بن سلامة ، عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة بن عمّار.
(٢) في ب : إن القرآن مخلوق.