حتى يتأكّد الاعتقاد ، وتزول الشبهة ، فأجابهم أنا قد أيدنا قول محمد صلىاللهعليهوسلم بالمعجزات ، وبالآيات وهي القرآن ، وسائر المعجزات ، فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنّت ، فلم يجب إجابتها لوجوه :
أحدها : أنه إذا حصلت الدلالة الواحدة ، فقد تمكّن المكلف من الوصول إلى المطلوب ، فلو كان غرضه طلب الحق لاكتفى بتلك الدلالة ، فحيث لم يكتف بها ، وطلب الزائد عليها علمنا أن ذلك من باب العناد ، ويدل له قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [العنكبوت : ٥١].
وثانيها : لو كان في [علم الله تبارك وتعالى](١) أنهم يؤمنون عند إنزال هذه الآية لفعلها ، ولكنه علم أنه لو أعطاهم ما سألوه لما ازدادوا إلا لجاجا فلا جرم لم يفعل ذلك ، ولذلك قال تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].
وثالثها : إنه ربما كان كثرتها وتعاقبها يقدح في كونها معجزة ؛ لأن الخوارق متى توالت صار انخراق العادة عادة ، فحينئذ يخرج عن كونه معجزا.
وأما قوله تعالى : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [فالمراد أن المكذبين للرسل تتشابه أقوالهم وأفعالهم](٢) ، فكما أن قوم موسى ، [كانوا أبدا في التعنت واقتراح](٣) الأباطيل ، كقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) [البقرة : ٦١] وقولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] وقولهم : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) [البقرة : ٦٧] وقولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٢] ، فكذلك هؤلاء المشركون يكونون أبدا في العناد واللّجاج ، وطلب الباطل.
قوله : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) يعني القرآن وغيره من المعجزات كمجيء الشجرة ، وكلام الذّئب ، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ، آيات قاهرة ، ومعجزات باهرة لمن كان طالبا لليقين.
قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (١١٩)
اعلم أن القوم لما أصرّوا على العناد واللّجاج الباطل ، واقترحوا المعجزات على سبيل التعنت بيّن الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم أنه لا مزيد على ما فعله في مصالح دينهم من إظهار الأدلة.
قوله : (بِالْحَقِّ) يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا به ، أي : بسبب إقامة الحق.
__________________
(١) في ب : معلوم.
(٢) في أ : أي تشابه أقوالهم وأفعالهم.
(٣) في أ : تعنتوا واقترحوا.