و «يختص» يحتمل أن يكون متعديّا ، وأن يكون لازما ، فإن كان متعديا كان فيه ضمير يعود على الله تعالى ، وتكون «من» مفعولا به أي يختص الله الذي يشاؤه برحمته ، ويكون معنى «افتعل» هنا معنى المجرد نحو : كسب مالا واكتسبه ، وإن كان لازما لم يكن فيه ضمير ، ويكون فاعله «من» أي : والله يختصّ برحمته الشّخص الذي يشاؤه ، ويكون «افتعل» بمعنى فعل الفاعل بنفسه نحو : اضطراب ، والاختصاص ضد الاشتراك ، وبهذا [يتبين فساد](١) قول من زعم أنه هنا متعدّ ليس إلّا.
و «من» يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة ، وعلى كلا التقديرين فلا بد من تقدير عائد ، أي : يشاء اختصاصه.
ويجوز أن يضمن «يشاء» معنى يختار ، فحينئذ لا حاجة إلى حذف مضاف ، بل تقدره ضميرا فقط أي : يشاؤه ، و «يشاء» على القول الأول لا محلّ له لكونه صلة ، وعلى الثاني محلّه النّصب ، أو الرفع على [حسب](٢) ما ذكر في موصوفه من كونه فاعلا أو مفعولا.
فصل في تفسير الرحمة في الآية
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «يختصّ برحمته» أي بنبوّته ، خص بها محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : الرحمة القرآن.
وقيل : هنا عامة لجميع أنواعها التي قد منحها الله عباده قديما وحديثا.
قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٠٦)
اعلم أن المشركين طعنوا في الإسلام فقالوا : ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ، ثم ينهاهم عنه ، ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ، وغدا يرجع عنه ، كما قال تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [النحل : ١٠١] فنزلت هذه الآية.
في «ما» قولان :
أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أنها مفعول مقدم ل «ننسخ» ، وهي شرطية أيضا جازمة ل «ننسخ» ولكنها واقعة موقع المصدر ، و «من آية» هو المفعول به ، والتقدير : أي شيء ننسخ كقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء ١١٠] ، أو : أيّ نسخ ننسخ من آية ، قاله أبو البقاء وغيره ، وقالوا : مجيء «ما» مصدرا جائز ؛ وأنشدوا : [الكامل]
__________________
(١) في أ : يفسد.
(٢) سقط في ب.