وقد يسمى من يؤتم به في الباطل ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص : ٤١] إلا أنه لا يستعمل إلا مقيدا.
فصل في إمامة سيدنا إبراهيم
اعلموا أن الله ـ تعالى ـ لما وعده بأن يجعله إماما للناس حقّق الله ـ تعالى ـ ذلك الوعد فيه إلى قيام السّاعة ، فإن أهل الأديان على شدّة اختلافها ونهاية تنافيها (١) يعظمون إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب ، وإما في الدين والشريعة حتى إن عبدة الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم عليه الصّلاة والسلام.
وقال الله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣] وقال تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠].
وقال عزوجل : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) [الحج : ٧٨].
وجميع أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقولون في صلاتهم : وارحم محمّدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحّمت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم.
قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) صفة لموصوف محذوف هو مفعول أول ، والمفعول الثّاني والعامل فيهما محذوف تقديره : قال : واجعل فريقا من ذريتي إماما قاله أبو البقاء (٢).
الثاني : أن (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على «الكاف» ، كأنه قال : «وجاعل بعض ذرّيتي» كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا.
قال أبو حيّان : لا يصح العطف على الكاف ؛ لأنها مجرورة ، فالعطف عليها لا يكون إلّا بإعادة الجار ، ولم يعد ؛ ولأن «من» لا يمكن تقدير إضافة الجار إليها لكونها حرفا ، وتقديرها مرادفة لبعض حتى تصحّ الإضافة إليها لا يصح ، ولا يصح أن يقدر العطف من باب العطف على موضع الكاف ؛ لأنه نصب ، فتجعل «من» في موضع نصب ؛ لأنه ليس مما يعطف فيه على الموضع [في مذهب سيبويه رحمهالله تعالى](٣) لفوات المحرز ، وليس نظير ما ذكر ؛ لأن «الكاف» في «سأكرمك» في موضع نصب.
الثالث : قال أبو حيان : والذي يقتضيه المعنى أن يكون «من ذرّيّتي» متعلقا
__________________
(١) في أ : تنافرها.
(٢) ينظر الإملاء : ١ / ٦١.
(٣) سقط في ب.