أحدها : أنه حمل على المعنى ، فإن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس ، فكأنه قيل : أحرص من النّاس ، ومن الذين أشركوا.
الثاني : أن يكون حذف من الثّاني لدلالة الأول عليه ، والتقدير : وأحرص من الذين أشركوا ، وعلى ما تقرر من كون (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) متّصلا ب «أفعل» التفضيل ، فلا بد من ذكر «من» ؛ لأن «أحرص» جرى على اليهود ، فلو عطف بغير «من» لكان معطوفا على النّاس ، فيكون المعنى : ولتجدنّهم أحرص الذي أشركوا ، فيلزم إضافة «أفعل» إلى غير من درج تحته ؛ لأن اليهود ليسوا من هؤلاء المشركين الخاصّين ؛ لأنهم قالوا في تفسيرهم : إنهم المجوس ، أو عرب يعبدون الأصنام ، اللهم إلا أن يقال : إنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، فحينئذ لو لم يؤت ب «من» لكان جائزا.
الثالث : أن في الكلام حذفا وتقديما وتأخيرا ، والتقدير : ولتجدنّهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس ، فيكون (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) صفة لمحذوف ، ذلك المحذوف معطوف على الضمير في «لتجدنّهم» وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى ، ولكنه ينبو عنه التركيب لا سيّما على قول من يخصّ التقديم والتأخير بالضرورة.
وعلى القول بانقطاعه من «أفعل» يكون (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) خبرا مقدما ، و «يودّ أحدهم» صفة لمبتدأ محذوف تقديره : ومن الذين أشركوا قوم أو فريق يودّ أحدهم ، وهو من الأماكن المطّرد فيها حذف الموصوف بجملته كقوله :
(وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، وقوله : «منا ظعن ومنا أقام».
والظاهر أن الذين أشركوا غير اليهود كما تقدم وأجاز الزّمخشري أن يكون من اليهود ؛ لأنهم قالوا : عزير ابن الله ، فيكون إخبارا بأن من هذه الطائفة التي اشتدّ حرصها على الحياة من يودّ لو يعمر ألف سنة ، ويكون من وقوع الظّاهر المشعر بالغلبة موقع المضمر ، إذ التقدير : ومنهم قوم يودّ أحدهم.
وقد ظهر مما تقدم أن الكلام من باب عطف المفردات على القول بدخول (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) تحت «أفعل» ومن باب عطف الجمل على القول بالانقطاع.
فصل في المراد بالذين أشركوا
قيل : المراد بالذين أشركوا المجوس ، لأنهم كانوا يقولون لملكهم : عش ألف نيروز وألف مهرجان ، قاله أبو العالية والربيع : وسموا مشركين لأنهم يقولون بالنور والظلمة ، وهذه تحية المجوس فيما بينهم : عش ألف سنة ، ولك ألف نيروز ومهرجان.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو قول الأعاجم : زه هزار سال.
وقيل : المراد مشركو العرب.
وقيل : كل مشرك لا يؤمن بالمعاد لما تقدم ؛ لأن حرص هؤلاء على الدنيا ينبغي أن