إليه ، وقيل : على الكعبة ؛ لأن الأمر بالصّلاة إنما هو إليها.
قوله : «لكبيرة» : لشاقّة ثقيلة من قولك : كبر هذا عليّ ؛ قال تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) [الشورى : ١٣].
و «إلّا على الخاشعين» استثناء مفرّع ، وجاز ذلك وإن كان الكلام مثبتا ، لأنه في قوة النفي ، أي : لا تسهل ولا تخفّ إلا على هؤلاء.
و «على الخاشعين» متعلّق ب «كبيرة» نحو : «كبر عليّ هذا» أي : عظم وشق.
فإن قيل : إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين ، فوجب أن يكون ثوابهم أكثر ، وثواب الخاشعين أقلّ ، وهذا باطل.
فالجواب : ليس المراد أن الذي يلحقهم من التّعب أكثر مما يلحق الخاشع ، وكيف يكون ذلك ، والخاشع يستعمل عند صلاته جوارحه وقلبه وسمعه وبصره ، ولا يغفل عن تدبّر ما يأتي من الذّكر ، والتذلّل والخضوع ، وإذا تذكّر الوعيد لم يخل من حسرة وغمّ ، وإذا ذكر الوعد فكمثل ذلك ، وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثّقل عليه بفعل صلاته أعظم ، وإنما المراد بقوله ـ هاهنا ـ لثقيلة على من لم يخشع من حيث لا يعتقد في فعلها ثوابا ، ولا في تركها عقابا ، فيصعب عليه فعلها ؛ لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطّبع.
و «الخشوع» : الخضوع ، وأصله : اللّين والسّهولة ، ومنه «الخشعة» للرّملة ، وقيل : قطعة من الأرض رخوة ، وفي الحديث : «كانت خشعة على الماء ثم دحيت بعد» أي : كانت الأرض ليّنة.
وقال النابغة : [الطويل]
٤٥٧ ـ رماد ككحل العين لأيا أبيّنه |
|
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع (١) |
أي : عليه أثر الذّل.
وفرق بعضهم بين الخضوع والخشوع ، فقال : الخضوع في البدن خاصّة ، والخشوع في البدن والصّوت والبصر ، فهو أعم منه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٤٦)
(الَّذِينَ) يحتمل موضعه الحركات الثلاث ، فالجر على أنه تابع لما قبله نعتا ، وهو الظّاهر ، والرفع والنّصب على القطع ، وقد تقدم معناه.
وأصل الظّن رجحان أحد الطرفين وأما هذه الآية ففيها أوجه :
أحدها : وعليه الأكثر ـ أن الظّن ـ هاهنا ـ بمعنى اليقين ؛ ومثله (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)
__________________
(١) ينظر ديوانه : (٤٣) ، القرطبي : (١ / ٣٧٤) ، الدر المصون : (١ / ٢١٢).