قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
في «إن» قولان :
أحدهما : أنها شرطية ، وجوابه محذوف تقديره : إن كنتم مؤمنين فلم فعلتم ذلك؟ ويكون الشرط وجوابه قد ذكر مرتين فحذف الشّرط من الجملة الأولى ، وبقي جوابه وهو : فلم تقتلون ، وحذف الجواب من الثّانية ، وبقي شرطه ، فقد حذف من كلّ واحدة ما أثبت في الأخرى.
قال ابن عطية (١) رحمهالله : جوابها متقدم ، وهو قوله «فلم» وهذا إنما يتأتى على قول الكوفيين ، وأبي زيد.
والثاني : أن «إن» نافية بمعنى «ما» أي : ما كنتم مؤمنين لمنافاة ما صدر منكم الإيمان.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)(٩٢)
«بالبيّنات» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون حالا من «موسى» أي : جاءكم ذا بيّنات وحجج ، أو ومعه البينات.
وثانيهما : أن يكون مفعولا ، أي : بسبب إقامة البيّنات ، وهي قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء : ١٠١] وهي : العصا والسّنون واليد والدم والطّوفان والجراد والقمل والضفادع وفلق البحر.
وقيل : البينات التوراة وما فيها من الدّلالات.
واللام في «لقد» لام القسم.
(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) توبيخ ، وهو أبلغ من «الواو» في التّقريع بها والنظر في الآيات ، أي بعد النظر في الآيات والإتيان بها اتّخذتم ، [وهذا يدلّ على أنهم إنما فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات ، وذلك أعظم لجرمهم](٢). وما بعده من الجمل قد تقدم مثله ، والسبب في تكريرها أنه ـ تعالى ـ لما حكى طريقة اليهود في زمان محمد عليه الصّلاة والسّلام ، وصفهم بالعناد والتكذيب ، ومثلهم بسلفهم في [قتلهم](٣) الأنبياء الذي يناسب التكذيب ؛ بل يزيد عليه إعادة ذكر موسى ـ عليهالسلام ـ وما جاء به من البيّنات ، وأنهم مع وضوح ذلك أجازوا أن يتخذوا العجل إلها وهو مع ذلك صابر ثابت على الدعاء إلى ربه ، والتمسّك بدينه ، فكذلك القول في حالي معكم وإن بالغتم في التّكذيب والإنكار.
__________________
(١) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٧٩.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : قتل.