وأما إذا كان ثمّ دراهم أو دنانير كان ثمنا ليس إلا ، نحو «اشتريت الثوب بالدرهم» ، ولا تقول : «اشتريت الدّرهم بالثوب».
وقدر بعضهم مضافا فقال : بتعليم آياتي ؛ لأن الآيات نفسها لا يشترى بها ، ولا حاجة إلى ذلك ؛ لأن معناه الاستبدال كما تقدم.
و «ثمنا» مفعول به ، و «قليلا» صفته.
و (إِيَّايَ فَاتَّقُونِ) كقوله : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة : ٤٠].
وقال هنا : «فاتّقون» وهناك : «فارهبون» لأن ترك المأمور به هناك معصية ، وهي ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ، وهنا ترك الإيمان بالمنزل والاشتراء به ثمنا قليلا كفر ، فناسب ذكر الرهب هناك ؛ لأنه أخف يجوز العفو عنه لكونه معصية ، وذكر التقوى هنا ؛ لأنه كفر لا يجوز العفو عنه ؛ لأن التقوى اتخاذ الوقاية لما هو كائن لا بدّ منه.
فصل في الباعث على كفر زعماء اليهود
قال ابن عباس : إن رؤساء اليهود مثل كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من فقراء اليهود الهدايا ، وعلموا أنهم لو اتبعوا محمدا لا نقطعت عنهم تلك الهدايا ، فأصروا على الكفر لئلا ينقطع عنهم ذلك القدر المحتقر.
قال القرطبي في تفسيره : هذه الآية وإن كانت خاصّة ببني إسرائيل ، فهي تتناول من فعل فعلهم ، فمن أخذ رشوة على تغيير حق ، أو إبطاله ، أو امتنع من تعليم ما وجب عليه ، أو أداء ما علمه ، وقد تعيّن عليه حتى يأخذ عليه أجرا ، فقد دخل في مقتضى الآية.
وروى أبو داود عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تعلّم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة» (١) يعني : ريحها.
وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم ، فمنع ذلك الزّهري ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنن (٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧) كتاب العلم باب في طلب العلم لغير الله تعالى حديث رقم (٣٦٦٤).
وابن ماجه في السنن حديث رقم (٢٥٢) ـ وابن حبان في صحيحه حديث (٨٩) وأحمد في المسند (٢ / ٣٣٨) ـ وابن أبي شيبة (٨ / ٥٤٣).
والحاكم في المستدرك (١ / ٨٥) ـ والخطيب في التاريخ (٥ / ٣٤٧) ، (٨ / ٧٨) ـ والعقيلي في الضعفاء (٣ / ٤٦٧) ـ وذكره المنذري في الترغيب ١ / ١١٥ ـ والقرطبي في التفسير ١ ـ / ١٨ ، ٣٣٥ والزبيدي في الإتحاف ١ / ١٨١ ، ١٠ / ٦٠.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.