ف «رجلا» نصب على التمييز ، مثله في قولك : عشرون رجلا والمميّز لا يكون إلا نكرة ، ألا ترى أن أحدا لا يقول : «عشرون الدّرهم» ولو أدخلوا الألف واللام على هذا فقالوا : «نعم الرجل» بالنصب لكان نقضا للغرض ، إذ لو كانوا يريدون الإتيان بالألف واللام لرفعوا ، وقالوا : «نعم الرجل» وكفوا أنفسهم مؤنة الإضمار ، وإنما أضمروا الفاعل قصدا للاختصار ، إذ كان «نعم رجلا» يدل على الجنس الذي فضل عليه.
فصل في إعراب المخصوص بالمدح في أسلوب «نعم»
إذا قلت : «نعم الرجل زيد» فهو على [وجهين](١) :
أحدهما : أن يكون مبتدأ مؤخرا ، كأنه قيل : «زيد نعم الرجل» أخرت «زيدا» والنية به التقديم كما تقول : مررت به المسكين تريد : المسكين مررت به ، فأما الراجع إلى المبتدأ ، فإن الرجل لما كان شائعا ينتظر فيه الجنس كان «زيد» داخلا تحته ، فصار بمنزلة الذكر الذي يعود إليه.
والوجه الآخر : أن يكون «زيد» في قولك : «نعم الرجل زيد» خبر مبتدأ محذوف ، كأنه لما قيل : نعم الرجل قيل : من هذا الذي أثنى عليه؟ فقيل : زيد ، أي : هو زيد.
فصل في شرط نعم وبئس
ولا بد بعد هذين الفعلين من مخصوصين من المدح أو الذم ، وقد يحذف لقرينة وأما «ما» الواقعة بعد «بئس» كهذه الآية ، فاختلف فيها النحاة ، هل لها محلّ من الإعراب أم لا؟
فذهب الفراء (٢) : إلى أنها مع «بئس» شيء واحد ركّب تركيب «حبّذا» ، نقله ابن عطية عنه ونقل عنه المهدوي أنه يجوز أن تكون «ما» مع «بئس» بمنزلة «كلما» ، فظاهر هذين النقلين أنها لا محل لها.
وذهب الجمهور أن لها محلّا ، ثم اختلفوا في محلّها هل هو رفع أو نصب؟
فذهب الأخفش إلى أنها في محلّ نصب على التمييز ، والجملة بعدها في محل نصب صفة لها ، وفاعل «بئس» مضمر تفسره «ما» ، والمخصوص بالذم هو قوله : (أَنْ يَكْفُرُوا) لأنه في تأويل مصدر ، والتقدير : بئس هو شيئا اشتروا به أنفسهم كفرهم ، وبه قال الفارسي [في أحد قوليه](٣) ، واختاره الزّمخشري ، ويجوز على هذا أن يكون المخصوص بالذّم محذوفا و «اشتروا» صفة له في محلّ رفع تقديره : بئس شيئا شيء أو كفر اشتروا به ، كقوله : [الطويل]
__________________
(١) في ب : قسمين.
(٢) ينظر معاني القرآن : ١ / ٥٧.
(٣) سقط في ب.