قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).
قال بعضهم : «ذلكم» مفرد واقع موقع «ذانكم» المثنّى ؛ لأنه قد تقدّم اثنان : التوبة ، والقتل.
قال أبو البقاء : «وهذا ليس بشيء ؛ لأن قوله : «فاقتلوا» تفسير للتوبة فهو واحد».
و «خير» «أفعل» تفضيل ، وأصله : أخير ، وإنما حذفت همزته تخفيفا ، ولا ترجع هذه الهمزة إلا في ضرورة ؛ قال : [الرجز]
٥٠٤ ـ بلال خير النّاس وابن الأخير (١)
ومثله : «شرّ» لا يجوز «أشرّ» إلا في ندور ، وقد قرىء (٢) : (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر : ٢٦] وإذا بني من هذه المادة فعل تعجّب على «أفعل» ، فلا تحذف همزته إلا في ندور ، كقولهم : «ما خير اللبن للصحيح ، وما شرّه للمبطون» ف «خير وشرّ» قد خرجا عن نظائرهما في باب التّفضيل والتعجّب.
و «خير» أيضا مخفف من «خير» على «فيعل» ولا يكون من هذا الباب ، ومنه : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠].
قال بعضهم : مخفف من «خيّرات». والمفضّل عليه محذوف للعلم به ، أي : خير لكم من عدم التوبة. ول «أفعل» التفضيل أحكام كثيرة ، وباقي منها ما يضطر إليه.
قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) في الكلام حذف ، وهو : ففعلتم ما أمرتم به من القتل فتاب عليكم ، والفاء الأولى في قوله : (فَتُوبُوا) للسببية ؛ لأن الظلم سبب التوبة.
والثانية للتعقيب ؛ لأن المعنى : فاعزموا على التّوبة ، فاقتلوا أنفسكم.
والثّالثة متعلقة بمحذوف ولا يخلو : إما أن ينتظم في قول موسى لهم فيتعلّق بشرط محذوف ، كأنه قال : وإن فعلتم فقد تاب عليكم ، وإما أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات ، فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى ، فتاب عليكم بارئكم. قاله الزمخشري.
وقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ ،) أي : فتجاوز عن الباقين منكم. إنه هو التواب الرحيم.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٥٦)
قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ) إنما تعّدى ب «اللام» دون «الباء» لأحد وجهين :
__________________
(١) ينظر المحتسب : ٢ / ٢٩٩ ، شرح التصريح : ٢ / ١٠١ ، الهمع : ٢ / ١٦٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٣ ، الدرر : ٢ / ٢٢٤ ، البحر : ١ / ٣٦٣ ، الدرّ : ١ / ٢٢٨.
(٢) ستأتي في «القمر» آية (٢٦).