فصل في أن الإحسان كان واجبا عليهم
ظاهر الآية يدلّ على أن الإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين كان واجبا عليهم في دينهم ، وكذا القول الحسن للناس كان واجبا عليهم ؛ لأن أخذ الميثاق يدلّ على الوجوب ، وذلك لأن ظاهر الأمر للوجوب ، والأمر في شرعنا أيضا كذلك من بعض الوجوه ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه : أن الزّكاة نسخت كلّ حق ، وهذا ضعيف ؛ لأنه لا خلاف أن من اشتدت به الحاجة ، وشاهدناه بهذه الصفة ، فإنه يلزمنا التصدق عليه ، وإن لم يجب علينا الزكاة حتى أنه إن لم تندفع حاجتهم بالزّكاة كان هذا التصدّق واجبا ، ولا شك في وجوب مكالمة الناس بطريق لا يتضررون منه.
قال ابن عبّاس معنى الآية : «قولوا لهم لا إله إلا الله» (١).
وفسّره ابن جريج : «قولوا للناس حسنا صدقا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ولا تغيّروا صفته».
وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر (٢).
وقال أبو العالية : «قولوا لهم الطّيب من القول ، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به» (٣) ، وهذا كلّه حضّ على مكارم الأخلاق ، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليّنا حسنا ، كما قال تعالى لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه : ٤٤].
وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة : «لا تكوني فحّاشة فإنّ الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء» ، ويدخل في هذه الآية المؤمن والكافر.
قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) تقدم نظيره.
وقال ابن عطية : «زكاتهم هي التي كانوا يضعونها ، وتنزل النّار على ما تقبل منه ، ولم تنزل على ما لم يتقبل ، ولم تكن كزكاتنا.
قال القرطبي : «وهذا يحتاج إلى نقل ...».
قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ).
قال الزمخشري : «وهذا على طريقة الالتفات» وهذا الذي قاله إنما يجيء (٤) على قراءة : «لا يعبدون» بالغيبة ، وأما على قراءة الخطاب (٥) فلا التفات ألبتّة ، ويجوز أن يكون
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦) من طريق الضحاك عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٦٥).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦) عن سفيان الثوري.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦) عن أبي العالية بلفظ : قولوا للناس معروفا.
(٤) سبقت هذه القراءة.
(٥) وهي قراءة أبي عمرو ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وقد تقدمت.
انظر السبعة : ١٧٢ ، والحجة للقراء السبعة : ٢ / ١٢١.