لها أن تدوم بدونه .... إلاّ أن تنزع الإنسانيّة لباسها وتخلع حلّتها وتنسى أنّها عقلٌ وجوارح ; فتصطفّ في صفّ البهائم ، همّها علفها ليس إلاّ ..
الفكر هو أرقى وأسمى مراحل الإنتاج الإنساني مطلقاً ، وعدم الخلط بينه وبين التفكير واضح ; إذ الثاني عمليّة يمارسها النوع البشري كلّ آن ولحظة ، سواء باستخدام الأدوات المعرفيّة والعلميّة أم بدونها ، وقد لا يتعدّى محيط صاحبه بجزئيّات حاجته وافتقاره ، بينا الفكر ـ الذي هو حاصل الجهد المعرفي العلمي بأرفع مراتبه وأدواته ـ يغطّي أكبر مساحة ممكنة من الوجود الإنساني ، فيخلد ويخلّد صاحبه ..
وكيف لا يسمق الفكر ولا يشمخ وهو «الكائن الحيّ الذي يصنع اللغة واللسان ، الكائن الذي يلفظ حتى في حال صمته ، الدافع الأكبر لإبقاء الحياة شريفة مهيبة ، فلولاه لما استحقّ الوجود عناية ، ولكانت حياتنا كالخابية الفارغة» ..
«الفكر أضخم وأغور ممّا ركز في جمجمة الرأس ومن المنطق السليم ومن العقل المحاسب فينا ، إنّه الأبحّ في الطول والعرض والعمق ، الرفّاش الهائل الذي يجرف دفعةً كلّ هذا ، إنّه الذي يتناول مافات وما حضر وما هو آت من حياة الإنسان ، الذي يستقطب كلّ نواحي اللطيفة البشريّة على أنّها وحدة لا تتكسّر ، لا تتجزّأ ، وما هو إلاّ النظرة الشاملة في الوجودين الأكبر والأصغر ، إنّه الفكر العقائدي الفلسفي الذي يشارك الله من باب «كوني فكانت» ; بفضل هذا الفكر العقائدي تشرف الحياة