وبعبارة اُخرى : فإنّ الأصالة في معناها الزمني تطلق على تلك الحالة التي يكون فيها المعاصر أو الموجود معنا اليوم ضارباً بجذوره في الماضي وفي التاريخ .. وبهذا المعنى الزمني لا تكون الأصالة على الإطلاق نقيضاً أو حتى مقابلاً للمعاصرة ، بل إنّ كلاًّ منهما تشكّل جزءاً من الاُخرى .. فالأصيل لابدّ أن يكون معاصراً يتميّز بعمق جذوره التاريخيّة ، بينما يوجد بالطبع معاصر سطحي بلا جذور .. والمعاصر قد يكون أصيلاً أو غير أصيل ..
وبعبارة اُخرى : فهناك تداخل لا يستهان به في المعنى بين الأصالة والمعاصرة عندما تفهم الأصالة بمعناها الزمني ، على حين أنّ الطرح الشائع الذي لا يناقشه أحد ، لهذه الصيغة ، يصوّر الأمر كما لو كانت الأصالة تشير إلى الماضي أو التراث وحده ، والمعاصرة تلتزم الحاضر فحسب .. على أنّ للأصالة معنىً ثانياً لاصلة له بالزمان ، هو الصدق مع النفس والتعبير الحقيقي عن الذات .. وفي هذا المعنى نتحدّث عن «أصالة العاطفة» أو «أصالة الشاعر» فلا نقصد بالطبع العودة إلى الاُصول التاريخيّة العائليّة للشاعر ، وإنّما نقصد أنّه في فنّه يعبّر عن نفسه بلا تزييف ، أو أنّ العاطفة تعبّر بالفعل عن المشاعر الداخليّة لصاحبها ، وليس فيها زيف أو خداع .. وفي المعنى الثاني بدوره لا نجد أدنى تعارض ، أو حتى اختلاف جوهري في المعنى ، بين الأصالة والمعاصرة ; لأنّ المعاصر يشتمل على ما هو أصيل وما هو غير أصيل ، أعني ما هو صادق مع نفسه ، وما ينطوي على زيف أو خداع ..