المخاطَب .. الواعظ الديني والخطيب السياسي والمبشّر الايديولوجي ، هؤلاء جميعاً لا يقول أيٌّ منهم : «أنا أقول لكم ...» ، بل هو يقول دائماً : «قال فلان ...» ممّن يملكون سلطة المعرفة .. وقد يلجأ إلى التعميم قصد تعزيز سلطة كلامه فيستعمل الغائب أو يحيل على مجهول فيقول : «قالوا ...» و «قيل ...» ، والنقد والتفكيك يبدآن في هذه الحالة بتحويل المبنيّ للمجهول إلى المبنيّ للمعلوم ورصد صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب .. لابدّ إذن من الكشف عن المسمّيات التي يراد أن تنوب عنها أسماؤها ، ولابدّ من إعادة تسمية الأشياء ـ التي تقدّم نفسها كمسمّيات مجرّدة ـ بأسمائها التي تكشف عن جانب الانحياز فيها .. إنّه بذلك نتمكّن من جعل المقروء معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا في آن واحد ..
يقول محمّد شحرور : يجب علينا أن نميّز بين مصطلحين يقع الالتباس بينهما وهما : الأصالة والسلفيّة ، فالأصالة لها مفهوم إيجابي حيّ ، أمّا السلفيّة فهي عكس ذلك تماماً ، السلفيّة كما نفهمها هي دعوة إلى اتّباع خُطى السلف بغضّ النظر عن مفهوم الزمان والمكان ... إنّ السلفيّة هروب مقنّع من مواجهة تحدّيات القرن العشرين وهزيمة نكراء أمام هذه التحدّيات ، وهي البحث عن الذات في فراغ وليس في أرض الواقع ..
هذا فيما يتعلّق بالسلفيّة الإسلاميّة ..
ولكن هناك نوعاً آخر من السلفيّة نراه عند تيّارات اُخرى تطرح حلولاً نظريّة تعمل في فراغ وفق نموذج متحجّر طُرح في القرن التاسع