يقول جابر عصفور : ابتداءً تنبثق الحداثة من اللحظة التي تتمرّد فيها الأنا الفاعلة للوعي على طرائقها المعتادة في الإدراك ، سواء أكان إدراك نفسها من حيث هي حضور متعيّن فاعل في الوجود ، أو إدراك علاقتها بواقعها من حيث هي حضور مستقلّ في الوجود ..
على المستوى الأوّل تبدأ الحداثة من انقسام الوعي المتمرّد على نفسه ليصبح ذاتاً فاعلة وموضوعاً منفعلاً ، ذاتاً فاعلة تعيد إنشاء موضوعها الذي هو هي من ناحية ، وتعيد صياغة أدوات إنتاج معرفتها بهذا الموضوع من ناحية اُخرى ..
وعلى المستوى الثاني فإنّ الوعي المنقسم على نفسه ينشقّ على واقعه ، فيتمرّد على أدوات إنتاج المعرفة السائدة في هذا الواقع وعلاقاتها ، ويبحث عن أدوات جديدة يؤسّس بها معرفة مغايرة ، تحرّره في علاقته بنفسه على المستوى الأوّل ، وعلاقته بواقعه على المستوى الثاني .. ولا يتمّ هذا التمرّد إلاّ بنوع من الوعي الضدّي ، ينبع من الإحساس بأنّ ما اُنجز لم يعد يكفي ، وأنّ ما هو واقع يمثّل عائقاً أمام تشوّق الأنا وأحلامها ، وأنّ القيود صارت كثيرة ، وأنّ الهويّة تتمزّق بين نقيضين أو نقائض متكثّرة ، وأنّ الاُفق يخايل بالوعد ..
ويقول أيضاً : من المؤكّد أنّنا لسنا إزاء حداثة واحدة لها تجلّيات متنوّعة ، كأ نّها الروح الهيجلي الذي يتجلّى في أشكال مختلفة المظهر ثابتة الجوهر ، ولسنا إزاء عناصر ثابتة مطلقة واُخرى متغيّرة نسبيّة داخل