والناس والأفكار ، الوسطيّة بما تعنيه من مفهوم عقائدي علمي معرفي ، يقود إلى ممارسات لا تخرج عن إطار وشعاع التكليف المناط والمسؤوليّة الملقاة على عاتق الاُمّة ، فكما لا جبن ولا تهوّر ، بل شجاعة ، ولا جربزة ولا بلاهة ، بل حكمة ، ولا غلوّ ولاتقصير ، بل اعتدال في الدين ، ولا إسراف ولا بخل ، بل جود .... فأيضاً لا رفض للجديد مطلقاً ولا قبول كذلك ، بل تعامل معياري منهجي نسلّم بالنتائج حيثما تكون ..
فهكذا وسطيّة شاملة هي المقصودة في النصّ ، «وسطيّة جوهريّة» لا وسطيّة قشور فاقدة القيم والمعايير العلميّة ; إذ الوسطيّة الجوهريّة قادرة على تحمّل المسؤوليّة وإدارة كفّة الاُمور ، ولاسيّما أنّها تراعي الفواصل والمسافات والقياسات ، وتنطلق بمنطلق أخلاقي قائم على العدل ..
إنّها حركة دائمة تجرف معها كلّ العناصر الباطلة الشاذّة ولا تُبقي إلاّ العناصر المتلائمة .. تبعثر وتحفر في العمق لتبلغ قراءات جديدة ومعاني حديثة ومفاهيم مبتكرة تحمل معها مقوّمات المناعة والتكيّف والانتشار والنمو ..
على ضوء ما تقرّر فليس التنافر المزعوم بين «الأصالة والمعاصرة» مرفوضاً وباطلاً فحسب ، بل إنّهما محكومان بالتمازج والتلاقح والانسجام ، وكيف يمكن تصوّر الأصالة بمعزل عن المتغيّرات فلا تحرّك ساكناً ، وأيّ ثوابت تلك التي تخشى التحوّلات وتهاب الولوج خوفاً ورهبةً؟!