إنّ المعالجة الأخلاقيّة أشقّ اختبار يعرف من خلاله مدى نجاح الفكر والمنهج ، ولاسيّما أنّ المعاناة الاُولى الشاغلة للوجود الإنساني معاناة الأخلاق ، فكلّ الرؤى والأنساق والإبداعات تدّعي هدفاً أخلاقيّاً يسمو بالنفس البشريّة من مهاوي السقوط والانحراف إلى مراتب الخير والفلاح.
إنّ العدالة هي قلب الأخلاق النابض بلا أدنى ريب ، فإن سرت في ممارسات الوجود الإنساني لم يعد للشرّ والظلم والقبح مفهومٌ عملي ومعنىً وميدانٌ ومعترك ، وحيث إنّ «الوسطيّة» المعهودة من معانيها العدل كما أشرنا ، فنحن اُمّة العدالة ، والعدل أصلٌ من اُصولنا ، على أنّ المراد من الاُمّة ليس كلّ فرد فرد من أفرادها ، بل الاُمّة بما تعنيه من رسالة وقيم ومبادئ ودين كما أسلفنا ..
والإمساك بالعصا من وسطها وجهٌ من وجوه العدالة ، ونوعٌ من أنواع حفظ التوازن ..
وكيف للدين على ضوء كونه الفكر والحركة الدائمة في الحياة أن يحلّ إشكاليّة الأصيل والوارد الجديد ـ إشكاليّة الثابت والمتغيّر ، التراث والحداثة ـ بحلٍّ مرتجل سريع؟! فإنّه إثراءٌ للإشكاليّة وتجذيرٌ لها ، وسلوكيّةٌ لا تتناغم مع وسطيّتنا وعقلانيّة مبادئنا وحركة الدين الدؤوبة التي تعني التغلّب على عوائق الظرف أنّى كانت ، بل لا تتناسب مع رسالتنا التي نحملها للبشريّة بأسرها ، ولا تنسجم مع قابليّة النصّ للتحاور