بنصّ إلهي جديد ، وهذا أدلّ دليل على كون القرآن الكريم نهاية مطاف الرسالات السماويّة ، لذا انبرى الكثيرون للتشكيك بصحّة صدوره إلهيّاً وقالوا : إنّها إفرازات وخيالات وإبداعات وصناعة أحاسيس ومشاعر محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) ، رغم إقرارهم بنبوّته (صلى الله عليه وآله) ، قالوا ذلك ليُسقطوا حجّيّة القرآن عليهم ويبقوا منتصرين لدياناتهم التي أوقف القرآن مشروعيّتها ودواعي دوامها (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (١) ، (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ) (٢) ..
وبما أنّنا نرى صحّة الرأي القائل بـ «التطوّر الدلالي للّفظ» ، الأمر الذي نضيفه إلى رصيدنا من الأدلّة والشواهد ، نجد أنّ «الوسطيّة» التي كُلّفت بها الاُمّة ـ الاُمّة التي نعتقدها بما هي الوجه الآخر للرسالة والدين والفكر الإلهي ، مثلما نعتقد أنّ التغاير بين الاُمّة المقصودة في النصّ وبين الرسالة ليس سوى المفهوميّ منه فحسب ـ هي وسطيّة التوازن ، أي إيجاد وحفظ وبثّ التوازن بتحويله إلى منهج وممارسة وثقافة وأخلاق تستمدّ البشريّة منها القيم والمبادئ ، وهذا ما يعود بنا إلى النقطة المحور ، إلى العقلي العملي ; إذ العقل النظري ليس بإمكانه أن يكون طرفاً ولاعباً في معادلة القيم والمبادئ والأخلاق ، ولا شكّ أنّ التوازن مفهوم أخلاقي نميّز من خلاله العدل والظلم الحسن والقبح ، فالوسطيّة رسالة أخلاقيّة ، ومسؤوليّة اُمّة ..
__________________
١ .. سورة البقرة : ١٢٠ ..
٢ .. سورة الإسراء : ٩ ..