الخصائص الهامّة التي أبقت النصّ حيويّاً نابضاً هي قابليّته على التكيّف والمرونة عبر المحاولات الجادّة ذات الأنساق والمناهج العلميّة السليمة ; حيث تبذل الجهد وعناء البحث وغاية التأمّل ومنتهى الدقّة وشامخ الإنصاف فترشح منه المعاني والمفاهيم والقراءات التي تفتح آفاقاً جديدة في فضاءات الفكر والمعرفة ، آخذةً الحاجة المعاصرة مأخذ الجدّ ..
والذي يثلج الصدور أنّ رواشح النصّ لا تقف عند حدٍّ معيّن من المعاني والتفسيرات والقراءات ، وهذا عامل آخر يجعل محاور العلم الثلاثة ـ الفكر والتأريخ واللغة ـ مستمرّة الحركة والفاعليّة ، اللّتين لابدّ وأن تنتجا فهماً راقياً للقيم والمبادئ والنظم الروحية والجسمية بما يتناسب مع قانون الفطرة العام ; إذ هو المحور والقوّة الجاذبة التي تستقطب من رام العودة وتطرد مَن سواه ..
إنّنا نرى في (جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) : تحميلاً لمسؤوليّات ووظائف رياديّة ، انتخاباً من لوازمه : وجوب التصدّي المصيري الخطير من خلال منهج مرتكز على قيم ومبادئ منشورة بنصٍّ إلهي (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ) نُسِخَتْ به المناهج السالفة الشقيقة ، ولسنا نعني بالنسخ : الطرد والتنقيح المطلق ، فهذا غير متصوّر في حقّ الباري تبارك وتعالى ، إنّما هو نسخ اشتمل على الحذف والإضافة والتعديل والتغيير بما يتلاءم وتطوّر التلقّي الإنساني التأريخي ، فالعقل البشري بدا مهيّأً في القرن السادس الميلادي لتفهّم النصّ الإلهي بشكله ومحتواه المتكامل ، هذا النصّ الذي اُغلق باب صدور أيّ نصّ إلهي سواه إلى الأبد ، فلم نَرَ أو نسمع