وقيل : «الوسط» هو الدليل ، وهو الواسطة في العلم بين الملزوم واللازم ، وهما المحكوم والمحكوم عليه ، فإنّ الحكم لازم للمحكوم عليه مادام حكماً له (١) ..
وقيل : إنّ الوسطيّة في المنظور القرآني هي صفة رئيسة وجامعة للاُمّة الإسلاميّة ، بل إنّها إرادة الله لهذه الاُمّة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وإذا كانت الوسطيّة تعني رفض الانحياز إلى طرف ضد طرف وقطب من أقطاب الظاهرة دون القطب الآخر ، فإنّها في المفهوم الإسلامي ليست التوسّط المعزول عن الطرفين والقطبين والمغاير لهما تمام المغايرة ، إنّها موقف جديد وثالث ، ولكنّه لا يغاير قطبي الظاهرة المدروسة ، وإنّما يجمع بالنظرة الشاملة كلّ ما يمكن جمعه ، ويؤلّف كلّ ما يمكن تأليفه من قطبي الظاهرة المدروسة .. إنّها ليست نقطة رياضيّة ثابتة تتوسّط قطبي الظاهرة المدروسة ، وإنّما هي موقف جديد يتأ لّف من عناصر الحقّ والعدل في القطبين معاً .. إنّها العدل والتوازن بين القطبين ، وليست الانحياز لواحد منهما ، ولا المغايرة التامّة لهما .. إنّها الحقّ بين باطلين ، والعدل بين ظلمين ، والاعتدال والتوازن بين تطرّفين وغلوّين (٢) ..
نقول : التفاوت في الفهم والاستنباط هو الحقيقة التي لا تقبل الترديد ; استناداً إلى قاعدة المطلق والنسبي المشار إليها ، ولعلّ من
__________________
١ .. ابن تيميّة ، الردّ على المنطقيّين ج ١ ص ٢١ ، ١٩٤ ..
٢ .. محمّد عمارة ، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام ص ١٣ ، ١٨٤ ..