ففضّلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم اُمّةً وسطا ...
وقال زهير بن أبي سلمى :
هُم وَسَطٌ ترضى الأنامُ بحكمهم |
|
إذا نَزَلَتْ إحدى الليالي بمُعظَم (العظائم) |
وأرى أنّ الله تعالى ذكره إنّما وصفهم بأ نّهم «وَسَط» لتوسّطهم في الدين ، فلا هم أهل غلوٍّ فيه ، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهّب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ، ولا هم أهل تقصير فيه ، تقصيرَ اليهود الذين بدّلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وكذبوا على ربّهم ، وكفروا به ... ولكنّهم أهل توسّط واعتدال فيه ، فوصفهم الله بذلك ; إذ كان أحبّ الاُمور إلى الله أوسطها (١) ..
وقيل أيضاً في صدد بيان معنى الآية : كما أنعمنا عليكم بالهداية كذلك أنعمنا عليكم بأن جعلناكم اُمّةً وسطاً .. كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل ، كذلك جعلناكم اُمّةً وسطاً .. أنّه تبارك وتعالى خصّ هذه الاُمّة بمزيد الفضل والعبادة فضلاً منه وإحساناً ، لا وجوباً .. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ) أي ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم اُمّةً وسطا ..
[إلى ذلك :] أوّلاً : إنّ الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين ، ولا شكّ
__________________
١ .. محمّد بن جرير الطبري ، جامع البيان ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ ، دار المعارف بمصر ..