أنّ طرفي الإفراط والتفريط رديئان ، فالمتوسّط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين ، فكان معتدلاً فاضلاً ..
ثانياً : إنّما سُمّي العدل وسطاً لأ نّه لا يميل إلى أحد الخصمين ، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين ..
ثالثاً : المراد بقوله (وَسَطاً) ، ما يتعلّق بالمدح في باب الدين ، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلاّ بكونهم عدولاً ، فوجب أن يكون المراد من الوسط العدالة (١) ..
وقيل : الله سبحانه وتعالى جعل هذه الاُمّه وسطاً بأن جعل لهم ديناً يهتدي منتحليه إلى سواء الطريق ، وسط الطرفين ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، بل يقوّي كلاًّ من الجانبين ، جانب الجسم وجانب الروح ، على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين ، فإنّ الإنسان مجموع الروح والجسم لا روح محضاً ولا جسم محضاً ، ومحتاج في حياته السعيدة إلى جمع كلا الكمالين والسعادتين المادّيّة والمعنويّة ، فهذه الاُمّة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كلّ من طرفي الإفراط والتفريط ، فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الأطراف ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ وهو المثال الأكمل من هذه الاُمّة ـ هو شهيد على نفس الاُمّة ، فهو (صلى الله عليه وآله) ميزان يوزن به حال الآحاد من الاُمّة ، والاُمّة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الإفراط والتفريط ..
__________________
١ .. اُنظر الفخر الرازي ، التفسير الكبير ، ج ٤ ص ١٠٨ ، ١٠٩ ..