لا ريب أنّ النصّ ثابتٌ لا يتغيّر محتواه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ) (٢) ، هذا الذي نعتقده منهجاً ونسقاً لا خلل ولا نقص ولا تهافت فيه ، فهو مطلقٌ بمحتواه ، والمتغيّر إنّما هي الأدوات ، والمراد بالأدوات : الأساليب والطرق التي تختلف باختلاف الانتماءات والملاكات والظروف والإمكانيّات والفضاءات وعوامل اُخر ; تبعاً لذلك فالنتاج الحاصل يتناسب طردياً مع أدواته ، وبذلك تتلوّن الأفهام والتفاسير والمعاني والاستنباطات والتأويلات .. كلٌّ منها لا يرقى ـ مهما بلغ من الدقّة والعمق والبيان ـ فوق مستوى النسبي ، أي لا يمكن لنا أن نطلق عليه أرقى من هذه التسمية والعنوان ; إذ إنّه فهمٌ معيّنٌ يناله الخلل والنقص وعدم الإحاطة ، نعم بإمكانه أن يكوّن تصوّراً عالياً وبلورةً شامخة يأخذان حيّزهما ومداهما الزماني والمكاني الكافيين ، لكنّه يبقى فهماً بين الأفهام ومعنىً بين المعاني وقراءةً بين القراءات وتفسيراً بين التفاسير ، لا يسدّ منافذ الفهم الاُخرى ولا يغلق الباب أمام المحاولات اللاحقة التي تسعى بأدوات وآليات متفاوتة أن تستنطق النصّ بعد أن تحاكيه محاكاةً مراعية فيها الضوابط والملاكات العلميّة التي من شروطها وقيودها أخذ الواقع وملابساته والوارد ومحتواه بعين الاعتبار ، وهذا ما يوفّر فضاءً معرفيّاً يخلق أجواءً فكريّة ملائمة للخروج بناتج يحفظ النصّ بحفظ الاُصول
__________________
١ .. سورة الحجر : ٩ ..
٢ .. سورة فصّلت : ٤٢ ..