فخرجت إليهم ، فقدّم ذلك الرّجل القادم الرّطب بين يديّ ، وقال : إن لي نخلة تحمل ولا يدرك رطبها إلّا في الشّتاء ، وتسمّى شتوية (١) ، وإني نذرت أن أحمل من أوّل ما يدرك فيها من الرّطب إليك ، وهذا أوّل رطبها. فقلت : ادعوا إليّ هذا الفقير الذي أبى أن يتعشّى معكم ، فدعوه ، فقلت له : بسم الله هذا الذي اشتهيت قد يسّره الله في غير أوانه ، فمدّ يده وتناول منه واحدة أو ثنتين فأكلها. وكانت لي حالة مع الله سبحانه قد فقدتها منذ ست عشرة سنة ، فعادت عليّ عند تناوله لتلك الرّطبة أو الرّطبتين ، ثم شكر وقام ولم يزد على ذلك. وعدت إلى منزلي فصلّينا الصّبح ففقدناه ولم نره ، فضاق صدري لفقده ، وأرسلت من يطلبه في جميع نواحي أوانا ، فلم يروه ، فزاد ضيق صدري بذلك وبقيت مغموما ، فدخل عليّ بعض أهل البلد ممن كان رآه عندنا ورأى ما عندي من الاهتمام ، فسألني عن ذلك ، فذكرت له حال الفقير وكونه كان عندنا وما ذاق لنا طعاما ، وأنه خرج قبل صلاة الصّبح وقد طلبناه فلم نجده وهمّي لذلك ، فقال : إني رأيته قبل دخولي هذا عليكم بسوق الطعام وهو يلتقط من الأرض حبّات من الطّعام مما يسقط على الأرض ويأكلها. فقلت لبعض أصحابنا : اذهب وأدركه بالموضع المذكور وأتني به ، فذهب ذلك الرّجل وطلبه فلم يجده ، وعاد وأخبرني أنه لم يره. فعلمت أنّ الله سبحانه قدّر اجتماعنا به لتعود عليّ ببركته الحالة التي كنت فقدتها من سنين ، وشكرت الله تعالى.
دخل على محمد بن قايد رجل من الملاحدة رباطه وهو جالس وحده فقتله فتكا وهو صائم في يوم الخميس خامس عشري شهر رمضان سنة أربع وثمانين وخمس مئة ، وصلّي عليه ، ودفن في رباطه بأوانا ، وأدرك قاتله ، وقتل ، وأحرقت جثّته.
__________________
(١) هكذا يسميها أهل بغداد إلى يوم الناس هذا.