ولا أستبعد ان تكون اعمال الارهاب هذه حلقة متممة لسلسلة الاضطهاد التي اعلنها عبد الحميد في الاستانة ضد خصومه من أنصار الاتحاد او من يشتبه فيهم فقد رأينا عبد الحميد يختار عبد المطلب لامارة مكة على اثر اغتيال الحسين الشهيد فلا يبعد أن يكون قد كلفه بتعقب من يشتبه فيهم من أنصار الاتحاديين خصوصا وقد رأيناه يرسل بهم الى الاستانة كما لا يستبعد ان تكون بعض اعمال عبد المطلب خاصة به وانه اغتنم لتبريرها فرصة دعوة عبد الحميد ضد الاتحاديين ورجال السياسة تنكيلا بخصومه ومجاملة للارهاب العام في دار الخلافة.
وبلغ من وثوق عبد الحميد بعبد المطلب أن نفى كبار خصومه ويبلغ عددهم نحو ١١ شخصا على رأسهم مدحت وزملاؤه الى مكة ووكل اليه المحافظة على سجنهم واسكات من اقتضت سياسة عبد الحميد اسكاتهم فقد حوكم هؤلاء الخصوم في محكمة عبد الحميد في الاستانة وصدر الحكم عليهم بالقتل الا ان عبد الحميد رأى تأجيل ذلك فاعلن العفو عنهم من القتل واستبدل ذلك بالنفي فرحلوا في محافظة شديدة الى مكة حيث ظلوا فيها يومين ثم استأنفوا رحلتهم الى الطائف حيث سجنوا بها في القشلاق المعروف (١).
ومما يؤيد صلة عبد المطلب بفكرة الملكية واخلاصه لعبد الحميد ما اخبرني به الشيخ حسن عشي وكان من المقربين في قصر الامارة في مكة فقد ذكر ان عبد المطلب كان يقيم في الطائف يوم وصول مدحت وزملائه اليها وانه كان يطل عليهم من نافذته وهم في طريقهم الى السجن ويقول «نصحت لك يا مدحت فلم تقبل».
__________________
(١) خلاصة الكلام ٣٧٢. وقد تحول القشلاق (الثكنة) سنة ١٣٩٨ الى مجمع للوزارات بالطائف في اشهر الصيف. وأهل الحجاز يسمون القشلاق : (قشلة) (ع)