سنة ٦٢٠ ثأرا من أخيه الحسن وبذلك ضاع استقلال البلاد وتركت مكة سنة ٦٤٧ مسرحا لفوضى الطامعين من الأيوبيين في مصر واليمن يحتلونها بالتناوب ويذيقونها من ويلات الحروب والفتن ما يذيقونها على النحو الذي فصلناه في كلامنا في الفصل السابق.
إلا أن الأشراف ما لبثوا أن استخلصوا مكة من مغتصبيها بقيادة الحسن وابنه أبي نمي الأول وهما من ذرية قتادة وبذلك استطاعوا أن يستقلوا بحكمها ـ وبالرغم من الصعاب التي واجهها أبو نمي من أقار به المنافسين فإنه استطاع في النهاية أن يظفر بالامارة ويحفظها مستقلة الى أن انقرض عهد الايوبيين في عام ٦٤٨ وأفل بعده نجم بني العباس في عام ٦٥٥ ولاح في أفق السياسة كوكب المماليك الأتراك الذين استولوا على شؤون الحكم في مصر كما نبينه في الفصل الآتي :
الناحية العلمية : وظلت الحركة العلمية في مكة على وهنها الذي ذكرناه في عهد الفاطميين تقتصر على حلقات المدرسين واهل العلم ، وأشهر البيوت التي تخصصت في طلب العلم ووقفت ابناءها عليه في هذا العهد بيت الطبري الذي ذكرناه في العهد الفاطمي ثم آل ظهيرة القرشيين وآل النويري وقد لمع من البيتين الآخرين أسماء كثيرة في هذا العهد واستطاع أصحابها أن يشاركوا آل الطبري في رئاسة التدريس بمكة وأن يتداولوا بدورهم الاضطلاع بأعباء خطبة المسجد الحرام والإمامة وأمور الفتوى فيه وكان بعض آل الطبري يسكنون بين المحناطة والمدعا ولا يزال لهم حوش بجوار المكان المعروف بالقبان يسمى حوش الطبري (١).
__________________
(١) زال الحوش والقبان في الهدميات الحاصة بتوسعة المسجد الحرام عام ١٣٧٨ ه