عبد الكريم للمرة الثانية : ولم يدم سعد في امارته الا ١٨ يوما لأن الأمير عبد الكريم الغائب في اليمن عاد في جموعه من بني عمومته وانصاره من قبائل عتيبة وحرب (١) فهاجم مكة واحتلها في ١٧ شوال عام ١١١٦ بعد ان اجلى سعدا عنها الى العابدية غربي عرفة حيث توفي بعد ذلك بأيام (٢)
وحدثت في هذه الموقعة مقتلة شديدة لا تقل عن سابقتها قبل اسبوعين فقد استمر الظافرون يفتكون بخصومهم يومين كاملين حتى اكتظت الشوارع بجثث القتلى وعجز الناس عن مواراتهم فصاروا يحملونهم على عجلات ويرمونهم من رواشن دار السعادة ثم يجرونهم جرا الى حفرة كبيرة اتخذوها لدفنهم بالجملة وجمعت الرؤوس فبنى بها «رضم» في المعلاة فوق طنف السبيل الذي كان معروفا هناك بسبيل السلطان مراد لتبدو عبرة لمن يعتبر من خصومهم (٣) ويعلم الله أنها لم تكن عبرة بقدر ما كانت شاهدا على قسوة بعض اصحاب السيطرة من المسلمين ومبلغ جبروتهم.
وما كاد يستقر الامر لعبد الكريم حتى منيت البلاد بمشكلة جديدة تجلى فيها فوضى النظام السياسي العثماني باوضح معانيه وقاست البلاد من جرائه أسوأ ما يمكن أن تقاسيه.
ذلك أن صنجق جدة سره ان يظفر عبد الكريم بالنتيجة التي انتهى اليها فكتب محضرا بما حدث ثم استشهد فيه بخطوط العلماء والاهالي الذين تعبوا من التوقيع لكل منتصر وطلب في نهاية المحضر نيابة عن نفسه وعن هذه الامة
__________________
(١) تنزل عتيبة في شمال شرقي مكة كما تنزل قبائل حرب من الحمراء شمالا وشرقا وغربا الى عسفان. (ع) : عتيبة : تنزل على بعد خمسين كيلا شمال مكة ثم تمتد ديارها حتى تطيف بالطائف من الشرق والجنوب ثم تمتد على جانبي الطريق الى مسافة تقرب من مائة كيل غرب الرياض. أما قبيلة حرب فتمتد ديارها من مر الظهران وجدة الى ينبع والمدينة والى قريب من العلا شمالا ، ثم نأخذ شرقا الى القصيم ثم الى الدهنا ، والى حدود العراق ، ومنها فروع تمتد جنوب جدة الى ما وراء دوقة.
(٢) تذبيل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣٠٨
(٣) خلاصة الكلام ١٤٤