وكانت مكة لا تتمتع باستقرار حتى تفاجئها حركات ثورية جديدة لان اشرافها كما اسلفنا يحتكمون في خلافهم على الامارة الى سيوفهم فتتعرض البلاد في اكثر سنيها الى فتن شعواء وقد تتجدد الفتن في العام الواحد لاكثر من مرة.
أما مواسم الحج فيها فكثيرا ما كانت تتعرض لهذه الفتن ويتعرض الوافدون اليها لأهوال لا تطاق ولعل للدولة العثمانية أكبر الأثر في اثارة الفتن أيام المواسم لان اوامر عزلها اذا استطاعت العزل ترسلها الى مكة صحبة الحاج الشامي وتكل اليه امضاءها بقوته العسكرية فيمضيها في أوقات الموسم
وفي اواخر العهد الذي ندرسه ـ حوالي القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري ـ كانت اوامر الخليفة ترسل من طريق الوالي في مصر ليبلغها الى الامير في مكة او ينفذها بقوة من عسكره المرابطين في مصر ولهذا وهم بعضهم عندما جسب ان مكة كانت تتبع الوالي في مصر والواقع أن امراء مكة كانت علاقتهم بالولاة في مصر علاقة العميل بالوسيط الذي يثق فيه الخليفة ويقدر عنصره التركي كما اسلفنا في صدر هذا الفصل.
ولا يستطيع الباحث اذا اراد أن يحصي ظروف الاستقرار والاطمئنان في مكة طيلة هذا العهد الذي نؤرخه أن ينتهي الى نتائج سارة لأن مكة بقيت معرضة لسلسلة من الفتن يعز حصرها وتعدادها ولعلها لم تهدأ ولم يقر لها قرار في غضون ذلك نحو ثلاثة قرون الا مددا قصيرة متفاوتة لم يزد مداها في اطول الاوقات عن عشر سنين اذا استثنينا العهد الذي كان يحكمه بركات وابنه أبو نمى الثانى وحفيده حسن وهو عهد لا تزيد مدته عن ٨٠ سنة.