التاسع : أنّها تكون بمعنى قد ، وذلك مع الفعل ، وبه فسّر جماعة منهم ابن عباس والكسائيّ والفرّاء والمبرّد قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان / ١] ، وأنكره قوم منهم أبو حيّان قال : ولم يقم على ذلك دليل واضح.
العاشر : الاختصاص بالايجاب ، فلا تدخل على نفي ، لا يقال : هل لم يقم زيد ، بل هل قام زيد؟ بخلاف الهمزة ، فإنّها تدخل على الإيجاب ، نحو : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) [الزخرف / ١٩] ، والنفي نحو قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح / ١] ، (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) [آل عمران / ١٢٤] ، والهمزة في ذلك للإنكار الابطاليّ ، وهي الّتي تقتضي أنّ ما بعدها غير واقع ، ومن ثمّ لزم ثبوته هنا ، لأنّ نفي النفي إثبات ، والمعنى شرحنا ، وكفا كم الله ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهنا انتهى غرض المصنّف (ره) من هذا التاليف ، وبانتهائه انتهى غرضنا أيضا من الشرح ، وقد جاء بحمد الله سبحانه شرحا حافلا وبإبراز مخدّرات المعاني والفوائد كافلا ، ولم آل جهدا في تحقيق مسائله وتحرير براهينه ودلائله ناسبا كلّ قول إلى قائله ، وعازيا كلّ نقل إلى ناقله غير غامط (١) ولا حاجد فضل أحد ، فبئس المرء من غمط وجحد ، وقد قيل : من بركه العلم وشكره عزوه إلى قائله وإثبات ذكره.
وسلكت فيه النهج الّذي يرتضيه الفضلاء ، وإن سخطه الجهلاء ، وأتيت به على الوجه الّذي يقصده الماهرون ، وإن انحرف عنه القاصرون غير مبال بإعراض الحاسدين ، ولا عائبي بإنكار المعاندين ، والمسؤول ممّن كرمت شيمته ، وغلت في سوق الانصاف قيمته أن يغتفر ما يعثر عليه من زلل ، ويستر ما يراه فيه من خلل ، وأن يمنّ بإصلاح الفساد وترويج الكساد ، وأجره على من لا يضيع لديه عمل ، ولا يخيب فيه أمل. لا إله غيره ، ولا مرجوّ إلا خيره ، وقد ختم المصنّف (ره) كتابه هذا بدعاء وقع إن شاء الله تعالى موقع الإجابة ، وقرنت سهامه المسدودة بالإصابة.
فقال : أللهمّ اشرح صدورنا بأنوار المعارف ، ونوّر قلوبنا بحقائق اللّطائف ، واجعل ما أوردناه في هذه الورقات خالصا لوجهك الكريم ، وتقبّله منّا إنك أنت السميع العليم. فإنّا نتوسّل إليك بحبيبك محمّد سيّد المرسلين. وإله الأئمة المعصومين ، صلوات الله سلامه عليهم أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين.
قال المصنّف (ره) : وكان الفراغ من تسويد الأصل صحوة يوم الاثنين سابع شهر شوال سنة خمس وسبعين وتسعمائة ، ومن محاسن الاتّفاقات أنّ سابع شهر شوال هو تاريخ الإتمام ، وقد نظمه رحمه الله فقال [من الهزج] :
__________________
(١) غامط : محتقر.