تنبيه : الجمهور على أنّ إذ لا تكون إلا ظرفا أو مضافا إليها كما هو قضية اقتصار المصنّف على ذلك ، وذهب جماعة إلى أنّها قد تكون مفعولا به ، وهي المذكورة بعد فعل الأمر في أوائل القصص مثل : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) [الأعراف / ٨٦] ، ويقدّرون اذكر حيث لا يذكر ، نحو : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) [البقرة / ٣٠] ، (إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) [البقرة / ٥٠] ، قالوا : يقع بدلا من المفعول به نحو : (اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) [مريم / ١٦] ، فإذ بدل اشتمال من مريم ، والجمهور يخرّجون الأوّل على أنّه ظرف لمفعول محذوف ، نحو : واذكروا نعمة الله إذ كنتم قليلا ، والثاني على أنّه ظرف لمضاف مفعول محذوف ، أي واذكروا قصة مريم ، ويؤيّد هذا القول التصريح بالمفعول في : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) [آل عمران / ١٠٣].
ووقع للزمخشريّ في قراءة بعضهم : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران / ١٦٤] ، أنّه يجوز أن يكون التقدير منه : إذ بعث ، ويجوز كون إذ في محلّ رفع كإذا في قول : أخطب ما يكون الأمير قائما ، أي لمن منّ الله على المؤمنين وقت بعثه. قال ابن هشام : فمقتضي هذا الوجه أنّ إذ مبتدأ ، ولا نعلم بذلك قائلا.
«و» ترد إذ «للمفاجاة» ، نصّ عليه سيبويه ، وهي الواقعة «بعد بينما أو بينا» كقوله [من البسيط] :
٩٣٥ ـ استقدر الله خيرا وارضينّ به |
|
فبينما العسر إذ دارت مياسير (١) |
وكقوله [من الطويل] :
٩٣٦ ـ وكنت كفيء الغصن بينا يظلّني |
|
ويعجبني إذ زعرعته الأعاصر (٢) |
وأنكر بعضهم وقوع إذ بعد بينا خاصّة دون بينما ، وجعله الحريريّ من الأوهام في درّة الغواص ، وليس كذلك. قال ابن مالك : ترك إذ بعد بينا وبينما أقيس من ذكرها ، وكلاهما عربيّ.
وقال الأصمعيّ : وقوع إذ وإذا في جواب بينا وبينما عربيّ ، قال الرضيّ : وكان الأصمعيّ لا يستفصح (٣) إلا تركهما في جوابهما لكثرة مجئ جوابها بدونهما ، والكثرة لا تدلّ على أنّ الكثور غير فصيح ، بل على أنّ الأكثر أفصح ، ألا ترى إلى قول أمير
__________________
(١) نسبوا هذا البيت إلى عنبر بن لبيد وإلى حريث بن جبلة. اللغة : استقدر الله خيرا : اطلب القدرة على الخير من الله ، المياسير : جمع ميسور ، وهو بمعنى اليسر خلاف العسر.
(٢) هو ليزيد بن الطثرية. اللغة : الفيء : الظلّ ، زعرعته : حركته بشدّة ، الأعاصر : جمع الاعصار : ريح تهبّ بشدة.
(٣) في «ح» لا يستقبح ، وفي شرح الرضيّ «لا يستفصح» الكافية في النحو ، لابن الحاجب ، شرحه رضي الدين الأسترآبادي ، لاط ، المجلّد الثاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤٠٥ ه ، ص ١١٣.