معمول للأوّل ، فحقّه أن يليه ، نحو : قام وضربتهما أخواك ، وقام ومررت بهما أخواك ، وبعضهم يجير الحذف هنا أيضا كقول عاتكه بنت عبد المطّلب [من مجزوء الكامل] :
٨١٤ ـ بعكاظ يعشي الناظرين |
|
إذا هم لمحوا شعاعه (١) |
وهو ضرورة عند الجمهور ، لأنّ في الحذف تهيأة العامل للعمل ، وقطعه بغير معارض ، فيضمر وجوبا.
«إلا أن يمنع» الإضمار ، فيتعيّن الإظهار ، وذلك إذا كان المفعول خبرا عمّا يخالف المفسّر ، وهو المتنازع فيه في الإفراد وفرعيه والتذكير وضدّه ، لكن المصنّف لا يسلم أن تكون المسالة حينئذ من باب التنازع ، ولذلك قال : «وليس منه نحو : حسبني وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا ، كما قاله بعض المحقّقين» خلافا لمن قال : إنّه منه ، وإنّ حسبني وحسبتهما تنازعا منطلقا ، واعمل فيه حسبني ، فوجب إظهار المفعول الثاني لحسبتهما ، وهو منطلقين لامتناع إضماره ، لأنّه إن أضمر مفردا ليطابق مرجعه خالف المفعول الأوّل ، وإن أضمر مثنّى ليطابق المفعول الأوّل ، إذ هما مبتدا وخبر في الأصل ، خالف مرجعه ، ولا يجوز ارتكاب الحذف فيه لكونه ثاني مفعولي حسبت ، وهو محذور كما عرفت.
وأجازه الكوفيّون لدلالة منطلقا عليه ، فيقولون : حسبني وحسبتها الزيدان منطلقا ، وأجازوا إضماره أيضا مقدّما على وفق المخبر عنه ، فيقولون : حسبني وحسبتهما إيّاه الزيدان منطلقا ، وجه كونه ليس من التنازع ، كما ذهب إليه المصنّف تبعا لجماعة من المحقّقين منهم ابن هشام وصاحب الوافي (٢) إلى أنّ العاملين لا يتوجّهان إلى أمر واحد ، لأنّ الأوّل يقتضي مفعولا مفردا والثاني مفعولا مثنّى ، فانتقي شرط التنازع ، وهو كون المتنازع مطلوبا لكلّ من العاملين من حيث المعنى ، فينتفي التنازع ضرورة.
وما قيل : من أنّهما تنازعا ذاتا متّصفة بالانطلاق من غير نظر إلى كونها مفردة أو مثنّاة ليس بشيء ، لأنّ التنازع لا يكون في مبهم ، كذا قيل. والأولى أن يقال : إنّ التنازع فيه صحيح ، لكن باعتبار كون منطقا مثلا في نحو المثال المذكور مفعولا ثانيا مع قطع النظر عن كونه مفردا أو مثنّى ، وأنت لا تنطق به مفردا إلا بعد الحكم به للأوّل ولا مثنّى إلا بعد الحكم به للثاني ، وإذا نطقت به مفردا بطل كون الثاني بطلبه ، ومن هنا ظهر
__________________
(١) اللغة : عكاظ : موضع كانت فيه سوق مشهورة ، يجتمع فيها العرب للتجارة والمفاخرة ، يعشي : مضارع من الإعشاء ، وأصله العشاء وهو ضعف البصر ليلا ، لمحوا : ماض من اللمح وهو سرعة إبصار الشيء ، الشعاع : ما تراه من الضوء مقبلا عليك كأنّه الجبال.
(٢) الوافي في نحو لمحمد بن عثمان بن عمر البلخي ، شرحه الشيخ الدمامينيّ المتوفى سنة ٨٣٨ ه وسمّاه المنهل الصافي ، كشف الظنون ٢ / ١٩٩٨.