بالعكس ، لأنّ العامل اللفظيّ أقوي من الابتداء. وقيل : هما في التوسّط سواء ، لأنّ ضعف العامل بالتوسّط سوّغ مقاومة الابتداء له ، فلكلّ منهما مرجّح ، وصحّحه المراديّ.
تنبيهات : الأوّل : قال أبو حيّان : لجواز الوجهين مع التوسّط والتأخّر شرطان : أحدهما : أن لا تدخل لام الابتداء على الاسم ، نحو : لزيد ظننت قائم ، ولزيد قائم ظننت ، فإنّه حينئذ لا يجوز إلا الإلغاء. الثاني : أن لا ينفي ، نحو : زيدا منطلقا لم أظنّ ، وزيدا لم أظنّ منطلقا ، فإنّه لا يجوز إلا الإعمال ، لأنّه تعيّن بناء الكلام على الظّنّ المنفيّ ، ولا يبطل هذا بقوله [من البسيط] :
٧٩٢ ـ ... |
|
وما إخال لدينا منك تنويل (١) |
لأنّ النفي داخل في المعنى على ما بعد إخال.
الثاني : هذا الإلغاء بالنسبة إلى المفعولين إذا كانا اسمين ، وأمّا إذا كان المفعول الثاني فعلا ، وقدّم ، نحو : قام أظنّ زيد ، فالإلغاء باق على الجواز عند البصريّين ، وهو الّذي صحّحه في التسهيل ، وأوجبه الكوفيّون ، وقيل يؤيّد البصريّين قوله [من الوافر] :
٧٩٣ ـ شجاك أظنّ ربع الظاعنينا |
|
... (٢) |
روي برفع ربع ونصبه ، واعترض بأنا لا نسلم أنّ شجاك فعل ، بل مضاف ومضاف إليه مبتدأ ، وربع الظاعنينا خبر عنه على تقدير رفعه ، ومفعول أوّل مقدّم ، وربع الظاعنينا مفعول ثان ، وأظنّ عامل على تقدير نصبه ، وقال أبو حيّان : الّذي يقتضيه القياس أنّه لا يجوز إلا الإلغاء ، لأنّ الإعمال مترتّب على كون الجزءين كانا مبتدأ وخبرا ، وليسا هنا كذلك ، وإلا لأدّى إلى تقديم الخبر الفعلي على المبتدإ ، انتهى.
قال بعضهم : وبهذه الصورة وصورة لام الابتداء تحصل صورتان ، يجب فيهما الإلغاء ، فيستثنيان من قولهم : الإلغاء جائز لا واجب.
الثالث : قال بعض الشارحين في نظير عبارة المصنّف : إنّ كلامه قد يوهم وجوب الإعمال عند التقديم على المفعولين مطلقا ، حتّى لو تقدّم على الفعل شيء كمتى ، وما لم يجز الإلغاء هو رأي لبعضهم ، والجمهور على خلافه ، لكنّ الأرجح الأعمال ، ذكره المراديّ (٣). والحكم منصوص في الكافية ، وفي التسهيل بدون حكاية خلاف ، انتهى.
__________________
(١) صدره «أرجو وآمل أن تدنو مودّتها» ، وهو لكعب بن زهير. اللغة : تدنو : تقرب ، تنويل : عطاء.
(٢) تمامه «فلم تعبأ بعذل العاذلينا» ، اللغة : شجاك : أحزنك ، الربع : الدار ، الظاعن : من ظعن ، إذا سار ، لم تعبأ : لم تلتفت.
(٣) سقطت هذه الفقرة في «س».