الخلاف بعد إسنادهما إلى الفاعل ، فالبصريّون يقولون : نعم الرجل وبئس الرجل جملتان فعليتان ، والكسائيّ يقول : هما اسمان محكيّان بمترلة تأبّط شرّا ، فنعم الرجل عنده اسم للمدوح ، وبئس الرجل اسم للمذموم ، وهما في الأصل جملتان نقلتا عن أصلهما ، وسمّي بهما.
والفرّاء يقول : الأصل في نعم الرجل زيد ، وبئس الرجل عمرو ، رجل نعم الرجل زيد ورجل بئس الرجل عمرو ، فحذف الموصوف الّذي هو رجل ، وأقيمت الصفة الّتي هي الجملة من نعم وبئس وفاعلهما مقامه ، فحكم لها بحكمه ، فنعم الرجل ، وبئس الرجل رافعان لزيد وعمرو ، كما لو قلت : ممدوح زيد ، ومذموم عمرو ، كذا في التصريح. وقال ابن هشام في البهجة المرضية : الخلاف في فعلية نعم وبئس قد نقله الأصحاب في مسائل الخلاف ، انتهى.
والصحيح أنّهما فعلان جامدان للزومهما إنشاء المدح والذّمّ على سبيل المبالغة ، فنقلتا عمّا وضعتا له من الدلالة على المضي ، وصارتا للإنشاء ، فنعم منقولة من قولك : نعم الرجل ، إذا أصاب نعمة ، وبئس منقولة من قولك : بئس الرجل إذا أصاب بؤسا.
«وساء» بالمدّ وهي ملحقه ببئس ، فإنّها في الأصل سوء بالفتح ، فحوّلت إلى فعل بالضّمّ ، فصارت فعلا قاصرا ، ثمّ ضمّنت معنى بئس ، فمنعت التصرّف. وكلّ فعل ثلاثيّ صالح للتعجّب منه ، فإنّه يجوز استعماله على فعل بضمّ العين ، إمّا بالإصالة كظرف ولؤم ، أو بالتحويل من مفتوح العين أو مكسورها كضرب وفهم ، ثمّ يجري مجرى نعم وبئس في إفادة المدح والذّمّ وفي حكم الفاعل وحكم المخصوص الآتي بيانه ، واستثني الكسائيّ علم وجهل وسمع ، فلا يجوز تحويلها إلى فعل بل استعمل استعمالة باقية على حالها.
فاعل أفعال المدح والذمّ : «وكلّ» منها أي من نعم وبئس وساء ومثلها ما جري مجراها يرفع فاعلا مظهرا معرّفا بأل ، نحو : (نِعْمَ الْمَوْلى) [الأنفال / ٤٠] ، (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) [البقرة / ٢٠٦] ، وساء الرجل أبو جهل ، وفهم الرجل زيد ، وخبث الرجل عمرو.
واختلف في أل هذه ، فقال الجمهور : هي جنسيّة ، ثمّ اختلفوا ، فقيل : للجنس حقيقة. فالجنس كلّه ممدوح أو مذموم ، والمخصوص مندرج تحته ، لأنّه فرد من أفراده ، ثمّ نصّ عليه ، كما ينصّ على الخاصّ بعد العامّ الشامل له ولغيره ، وهو المشهور ، ونقله ابن أياز في شرح الفصول عن أبي على وعبد القاهر الجرجانيّ ، ونسب إلى سيبويه ، و