تنبيهات : الأوّل : قضية إطلاق المصنّف أنّ الجزاء يكون ماضيا مقرونا بقد أنّه يكون ماضي اللفظ والمعنى ، وهو قول جماعة ، منهم الجزوليّ وابن مالك وابن هشام في أكثر مصنّفاته ، واستشكل بأنّ هذا لا يتمشّى مع القول بأنّ الشرط سبب ، والجزاء مسبّب ، إذ الشرط مستقبل بالفرض ، والجزاء محقّق المضي ، فكيف يكون الماضي مسبّبا عن المستقبل ، وهذا ممّا لا سبيل إليه ، وأجاب ابن الحاجب مع التزام هذه القاعدة بأنّ الجزاء على قسمين : إحدهما أن يكون مضمونه مسبّبا عن مضمون الشرط كما في قولك : إن جئتني أكرمك ، فإنّ مضمون الجزاء هو الإكرام مسبّب عن مضمون الشرط ، وهو المجي ، والثاني أن يكون مضمون الجزاء ليس مسبّبا عن مضمون الشرط ، وإنّما يكون الاخبار به مسبّبا ، نحو : إن تكرمني فقد أكرمتك أمس ، أي إنّ إكرمك لي سبب لأن أخبر بأنّي قد أكرمتك أمس ، وليس الإكرام الواقع بالأمس هو الجواب لاستحالة تسبّبه عن الإكرام الواقع في اليوم ، لكنّ الإخبار بذلك مسبّب على معنى أن اعتددت على بإكرامك إيّاي ، فأنا أيضا أقول : قد أكرمتك أي فأنا أيضا أعيد عليك بإكرامي إيّاك.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة / ١١٦] ، و (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ) [يوسف / ٢٦] ، من هذا القبيل وكذا قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل / ٥٣] ، وبيانه أنّ الآية جيء بها لإخبار قوم استقرّت بهم نعم ، جهلوا معطيها ، أو شكّوا فيه ، فكان استقرارها مجهولة أو مشكوكة سببا لإخبارهم بأنّها من الله ، فكأنّه قيل : اعلموا أنّها من عند الله ، فالمسبّب الإخبار بمضمون الجملة لا نفس مضمونها ، حتّى يردّ أنّ الأوّل وهو استقرار النعمة ليس سببا للثاني.
وقال الرضّي : لا نسلم أنّ الشرط سبب ، والجزاء مسبّب ، وإنّما الشرط عندهم ملزوم ، والجزاء لازمة ، سواء كان الشرط سببا ، نحو : لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا ، أو شرطا كما في قولك : لو كان لي مال لحججت به ، أو لا شرطا ولا سببا كقولك : لو كان زيد أبي لكنت ابنه ، ولو كان النهار موجودا ، لكانت الشمس طالعة. وقال في موضع آخر : لا يلزم مع الفاء أن يكون الأوّل سببا للثاني ، بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها كما في الشرط والجزاء ، ففي قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل / ٥٣] ، كون النعمة من الله لازمة لحصولها معنى فلا يغرّنك قول بعضهم : إنّ الشرط سبب للجزاء ، انتهى. وهو تحقيق حقيق بالقبول.
الثاني : قد تحذف الفاء في ندور كقوله (ع) لابي بن كعب لمّا سأله عن اللّقطة (١) : فإن
__________________
(١) الشيء الذي تجده ملقي فتأخذه.