وردّ عليه في الموضعين ، أعني في الفاء والواو أنّه يلزم حذف الخبر وجوبا من غير شيء يسدّ مسدّه ، وهو ممتنع ، وأجيب بأنّه أشار إلى جواب ذلك في الحروف المشبهة بالفعل حيث قال : والتزم حذف الخبر في ليت شعري أتأتيني أم لا؟ فهذا الاستفهام مفعول شعري ، والخبر محذوف وجوبا بلا شيء يسدّ مسدّه لكثرة الاستعمال ، انتهى.
وهو هنا كذلك ، وخرج بالسببيّة الفاء الاستئنافيّة بأن يقدّر ما بعدها مبنيّا على مبتدإ محذوف كقوله [من الطويل] :
٧٠٥ ـ ألم تسأل الرّبع القواء فينطق |
|
... (١) |
أي فهو ينطق ، كذا قيل. قال ابن هشام : والتحقيق أنّ الفاء في ذلك للعطف ، وأنّ المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل وحده. وإنّما يقدّر النّحويّون كلمة هو ، ليبيّنوا أنّ الفعل ليس المعتمد بالعطف ، انتهى.
والعاطفه نحو : ما تأتينا فتحدّثنا ، على معنى ما تأتينا فما تحدّثنا ، فيجب الرفع ، وبالمعيّة الواو الاستثنافية والعاطفة نحو : لا تأكل سمكا وتشرب لبنا ، فإن جعلت الواو استثنافية ، وجب الرفع ، فيكون الكلام نهيا عن أكل السمك واخبارا بإباحة شرب اللبن ، فكأنّك قلت : لا تاكل السمك ولك شرب اللبن ، وإن جعلتها عاطفة وجب الجزم ، فيكون نهيا عن كلّ واحد منهما بخلاف ما إذا جعلتها بمعنى مع كما سيأتي.
وقيّد الواو والفاء بقوله المسبوقتين بنفيّ محض أو مؤوّل أو طلب احترازا عن نحو :
زيد يأتينا فيحدّثنا ، وينهي عن خلق ويأتي مثله ، فيمتنع النصب ، وأمّا قوله [من الوافر] :
٧٠٦ ـ سأترك مترلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا (٢) |
فضرورة.
ويشمل النفي ما كان بحرف أو فعل أو اسم ، وما كان تقليلا مرادا به النفي فهو مع الفاء نحو : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر / ٣٦] ، وليس زيد حاضرا فيكلّمك ، وأنت غير آت فتحدّثنا ، وقلّما تأتينا فتحدّثنا ، لأنّ هذه الكلمة مستعملة بمعنى النفي المحض ومع الواو نحو : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران / ١٤٢].
__________________
(١) تمامه «وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق» وهو لجميل بثنية. اللغة : الربع : المترل ، القواء : الخالي من الأهل ، البيداء الصحراء ، وسمّيت بذلك لأنها تبيد من يسلكها ، أي تهلكه. سملق : الأرض الّتي لا تنبت شيئا مطلقا.
(٢) هو لمغيرة بن حبناء.