الثاني : نقل غير واحد أيضا الاتّفاق على امتناع توكيد النكرة ، إذا لم يفد ، واعترض بما حكاه ابن مالك في شرح التسهيل أنّ بعض الكوفيّين أجاز توكيد النكرة مطلقا ، أفاد ، أو لم يفد ، لكن قال ابن هشام في حاشية التسهيل : هذا النقل من ابن مالك لم أقف عليه من غير جهته ، وفهمت أنّه استنتجه من إعراب بعض الكوفيّين كلمة كلّ توكيدا لعجايا في قوله [من الوافر] :
٥٨٨ ـ ... |
|
عجايا كلّها إلا قليلا (١) |
ولا يسلم أنّ توكيد عجايا لا يفيد ، ثمّ كيف يجيز عاقل التّكلّم بشيء مع اعترافه أنّه لا يفيد ، ثمّ إنّه قد نقل في شرح العمدة الاتّفاق على المنع إذا لم يفد ، انتهى.
والمسالة الثانية ، «إذا أكّد» الضمير «المرفوع المتّصل بارزا كان أو مستترا بالنفس أو العين فبعد» توكيده بالضمير «المنفصل ، نحو : قوموا أنتم أنفسكم» وقاموا هم أنفسهم ، وقمن هنّ أنفسهنّ ، وقمتنّ أنتنّ أنفسكنّ ، «وقم أنت نفسك» وقوما أنتما أنفسكما ، وقاما هما أنفسهما. وذلك كراهة إيهام الفاعلى ة عند استتار الضمير المؤنّث ، إذ لو قيل : خرجت عينها ، وتوهّمت الجارحة ، أو نفسها ، توهّمت نفس الحياة ، وأجروا ما لا لبس فيه على ما ألبس.
وبهذا يبطل قول من قال : إنّ العطف كالتأكيد ، وإنّما ذلك في العطف خاصّة ، إذ الفصل لا يرفع الإبهام المذكور ، ألا ترى أنّه لو قيل : خرجت اليوم نفسها لكان الإبهام باقيا ، وخرج بقيد الضمير بالمرفوع الضمير المنصوب والمجرور ، فيؤكّد أنّ بالنفس والعين بدون المنفصل ، نحو : ضربتهم أنفسهم ومررت بهم أنفسهم ، وبالمتّصل المنفصل ، فيؤكّد بهما بدونه أيضا ، نحو : أنت نفسك قائم ، وبقيد النفس والعين غيرهما ، فيؤكّد به المرفوع المتّصل بغير شرط ، نحو قاموا كلّهم أو أجمعون لعدم اللبس في ذلك كلّه.
__________________
(١) صدره «عداني أن أزورك أنّ بهمي» ، ولم يسمّ قائله. اللغة : البهم : جمع البهمة : الصغير من أولاد الغنم الضأن والمعز والبقر من الوحش وغيرها ، العجايا : جمع العجي وهو الفصيل تموت أمّه ، فيرضعه صاحبه بلبن غيرها.