فإن قلت : خلا يتعدّي إذا كان بمعنى جاوز ، قالوا : افعل هذا وخلاك ذمّ ، فينبغي التأويل بخالين زيدا ، قلت : قال الرضيّ (ره) خلا في الأصل لازم يتعدّى إلى المفعول بمن ، نحو : خلت الدار من الأنيس ، وقد يضمن معنى جاوز ، فيتعدّي بنفسه ، كقولهم : افعل هذا وخلاك ذمّ ، والزموا هذا التضمين في باب الاستثناء ، ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا الّتي هي أمّ الباب ، انتهى ، فتدبّر.
وقيل : على الظرفيّة الزمانيّة على تقدير المضاف ، أي خلوّهم أو وقعت عدائهم زيدا ، وقال ابن خروف والشلوبين على الاستثناء ومعنى قاموا ما عدا أو خلا زيدا قاموا غير زيد ، قال ابن هشام : وهو غلط ، لأنّ معنى الاستثناء قائم بما بعدهما ، والمنصوب على معنى لا يليق ذلك المعنى بغيره ، انتهى.
وما تقرّر من وجوب النصب بعدهما هو مذهب الجمهور ، وزعم الكسائيّ والجرميّ والربعيّ والفارسيّ وابن جنيّ أنّه قد يجوز معها الجرّ على تقديرهما حرفي جرّ وتقدير ما زائدة.
قال في المغني : فإن قالوا ذلك قياسا ففاسد ، لأنّ ما لا تزاد قبل الجارّ بل بعده ، نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ) [المومنون / ٤٠] ، وان قالوا ذلك سماعا فهو من الشذوذ ، بحيث لا يقاس عليه ، انتهى ، وقد حكاه الجرميّ عن العرب.
تنبيهات : الأوّل : اقتصاره على ذكر ما مع عدا وخلا يفهم أنّه لا يجوز دخولها على حاشا الاستثنائيّة ، وهو الّذي نصّ عليه سيبويه خلافا لبعضهم ، وأمّا قوله [من الوافر] :
٣٩٤ ـ رأيت النّاس ما حاشا قريشا |
|
فإنّا نحن أفضلهم فعالا (١) |
فنادر ، قال به ابن مالك لمكان السماع ، واستدلّ عليه أيضا بما وقع في مسند أبي أمية الطرسوسي (٢) عن ابي عمر (٣) قال : قال رسول الله (ص) : أسامة أحبّ الناس إلى ما حاشا فاطمة (٤). وردّه ابن هشام بأنّ هذا مبنيّ على ما توهّمه من أنّ ما حاشا فاطمة من كلامه (ص) ، وهو غلط ، بل هو من كلام الروايّ ، والمعنى أنّه (ص) لم يستثن فاطمة ، ويدلّ عليه أنّ في معجم الطبرانيّ (٥) ما حاشا فاطمة ولا غيرها ، انتهى.
__________________
(١) البيت للأخطل.
(٢) لعلّه بن أحمد بن محمد الطرسوسي من كبار مشايخ القرن الرابع لقّب بطاووس الحرمين ، توفي سنة ٣٧٤ ه بمكة. ريحانة الأدب ٤ / ٥١.
(٣) لم أقع على ترجمة له.
(٤) ما وجدته في كتب الحديث ، رغم أنه جاء في الكتب النحوية.
(٥) المعجم الكبير والصغير والأوسط في الحديث للإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ ه ق. كشف الظنون ٢ / ١٧٣٧.