ونصرة دعوته ، في مواقع تنكص فيها الشجعان عن المواجهة وتتردّد فيها الرجال عن المنازلة ، هذا علىٰ الرغم من صغر سنها.
ومن هنا نعلم أن فاطمة عليهاالسلام بعد فقد أُمّها لم تكن تلك اليتيمة التي تشكّل عبئاً علىٰ أبيها ، بل وقفت موقف العالمة بظروف أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم الداركة لخطر الرسالة التي يدعو لها ، وما يحيط به من شدائد وأهوال وعداوات ، فصارت ربّة بيته التي تكفيه التفكير بمشاغل البيت ، ووقفت إلىٰ جنبه موقف المرأة البطلة المكافحة والمضحية براحتها ورفاهيتها ، وليس ثمّة كلمة تعبّر عن تقديره صلىاللهعليهوآلهوسلم لما لقي من ابنته الصغيرة في مواقفها المختلفة ، أفضل من ( أُمّ أبيها ) في أحد معاني هذه الكنية العظيمة.
وإذا كانت فاطمة الزهراء عليهاالسلام قد فُجعت بأمّها وهي بأمسّ الحاجة إليها ، فقد صارت أشدّ لصوقاً بأبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم لتنهل من سجايا نفسه الزكية ومكارم خلقه الرفيع ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يفيض عليها بحبّه وعطفه وشفقته ليعوضها عن شعورها بالحرمان من أُمّها.
وقد قيل : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جعل فاطمة عليهاالسلام عند ابنة عمّه أمّ هانىء بنت أبي طالب بعد وفاة خديجة عليهاالسلام لرعايتها والقيام بشأنها ، أخرجه السيوطي في حديثٍ عن عبدالرزاق عن ابن جريج (١).
ولعلَّ ذلك كان في بعض الأحيان التي ينشغل فيها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأداء مهام الرسالة والقيام بأعباء الدعوة إلىٰ الله تعالىٰ.
بعد أن اتفقت كلمة قريش علىٰ قتل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعاهدت قبائلها علىٰ ذلك ، ولم يبق له في مكة ناصر ولا مكان يأوي إليه ، أُذن له بالهجرة إلىٰ المدينة ، وتمت الهجرة بسلام علىٰ الرغم من ملاحقة قريش ومطاردتها له
_______________________
١) مسند فاطمة الزهراء عليهاالسلام / السيوطي : ١١٩.