النبي الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم غير أن يقول لفاطمة عليهاالسلام : ما كان لك أن تسأليني ، وما كان لي أن أعطيك (١).
فلو تنازلت السلطة أمام مطالب الزهراء عليهاالسلام وأذعنت لحجّتها البالغة ودليلها الساطع ، كان ذلك بمثابة اعتراف لما بعد فدك من الموروث النبوي الذي منه الخلافة لأمير المؤمنين عليهالسلام وعترة النبي المعصومين عليهمالسلام ، وهذا ما صرّحت به الزهراء عليهاالسلام في خطبتها المشهورة ، وإزاء هذا كان علىٰ السلطة أن تبيّن لعامة المسلمين أنّ فاطمة عليهاالسلام تدّعي ماليس لها بنحلة ، وتطالب ماليس لها بميراث ، وتريد لعلي عليهالسلام الملك وليس له بحقّ !
قال ابن أبي الحديد : سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم. قلت : فلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها ، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيءٍ ، لأنّه يكون قد سجّل علىٰ نفسه أنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلىٰ بينة ولا شهود ، وهذا كلام صحيح ، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل (٢).
ولهذا استباح أبو بكر ردّ دعوىٰ الزهراء عليهاالسلام في النحلة ، ورفض شهادة أمير المؤمنين عليهالسلام لها ، وادّعىٰ حديث منع الإرث ، ومنع سهم ذي القربىٰ عن
_______________________
١) فتوح البلدان / البلاذري : ٤٥. ومعجم البلدان / ياقوت ـ فدك ـ ٤ : ٢٧٣. والعقد الفريد / ابن عبد ربه ٦ : ١٧١.
٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٤.