وتنبّه كثير من المحقّقين القدامىٰ والمحدثين لهذه المسألة ، فقد نقل عن القاضي عبدالجبار المعتزلي أنّه قال : قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرم مما ارتكبا منها ، فضلاً عن الدين.
قال ابن أبي الحديد معلقاً : وهذا الكلام لا جواب عنه ، ولقد كان التكرم ورعاية حقّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحفظ عهده يقتضي أن تعوّض ابنته بشيء يرضيها ، وإن لم يستنزل المسلمون عن فدك ، وتسلّم إليها تطييباً لقلبها ، وقد يسوغ للإمام أن يفعل ذلك من غير مشاورة المسلمين إذا رأىٰ المصلحة فيه (١).
وقال الاُستاذ محمود أبو رية : بقي أمر لابدّ أن نقول فيه كلمة صريحة ، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وما فعل معها في ميراث أبيها ، لأنّا إذا سلّمنا بأن خبر الآحاد الظنّي يخصّص الكتاب القطعي ، وأنه قد ثبت أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قال : إنّه لا يورث ، وأنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر ، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة عليهاالسلام بعض تركة أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كأنّ يخصّها بفدك ، وهذا من حقّه الذي لا يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخصّ من يشاء بما يشاء ، وقد خصّ هو نفسه الزبير بن العوّام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، علىٰ أنّ فدك هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان (٢).
إذن فالزهراء عليهاالسلام تستحق بمقتضىٰ التكرم والاحسان أن تأخذ شيئاً مما
_______________________
١) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٦.
٢) مجلة الرسالة المصرية ، العدد (٥١٨) السنة (١١) الصحفة (٤٥٧) ، ونحوه في شيخ المضيرة أبو هريرة : ١٦٩ ، الطبعة الثالثة. والنص والاجتهاد / شرف الدين : ٧٠.