درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

(قلت) اما الشبهة الغير المحصورة فسيجيء وجه جواز المخالفة فيها واما الحاكم فوظيفته اخذ ما يستحقه المحكوم له على المحكوم عليه بالاسباب الظاهرية كالاقرار والحلف والبينة وغيرها فهو قائم مقام المستحق فى اخذ حقه ولا عبرة بعلمه الاجمالى نظير ذلك ما اذا اذن المفتى لكل واحد من واجدى المنى فى الثوب المشترك فى دخول المسجد فانه انما يأذن كلا منهما بملاحظة تكليفه فى نفسه فلا يقال انه يلزم من ذلك اذن الجنب فى دخول المسجد وهو حرام واما غير الحاكم ممن اتفق له اخذ المالين من الشخصين المقر لهما فى مسئلة الاقرار فلا نسلم جواز اخذه لهما ولا لشىء منهما إلّا اذا قلنا بان ما

ـ (اقول) ان ما ذكره قدس‌سره هنا من جواز المخالفة القطعية فى الشبهة الغير المحصورة مناف لما سيجىء فى بحث الشبهة الغير المحصورة بعد ذكر ادلة جواز الارتكاب فى تلك الشبهة من عدم جواز ارتكاب جميع اطراف الشبهة فيها حيث ذكر ما هذا لفظه فالاقوى فى المسألة عدم جواز الارتكاب اذا قصد ذلك من اول الامر فان قصده قصد للمخالفة والمعصية فيستحق العقاب بمصادفة الحرام.

(والتحقيق) عدم جواز ارتكاب الكل لاستلزامه طرح الدليل الواقعى الدال على وجوب الاجتناب عن المحرم الواقعى كالخمر فى قوله اجتنب عن الخمر لان هذا التكليف لا يسقط من المكلف مع علمه بوجود الخمر بين المشتبهات غاية ما ثبت فى غير المحصور الاكتفاء فى امتثاله بترك بعض المحتملات فيكون البعض المتروك بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعى وإلّا فاخراج الخمر الموجود يقينا بين المشتبهات عن عموم قوله اجتنب عن كل خمر اعتراف بعدم حرمته واقعا وهو معلوم البطلان.

(ولا يخفى ان هذا الكلام) صريح فى عدم جواز ارتكاب جميع اطراف الشبهة الغير المحصورة وهو خلاف ما وعد بقوله فسيجيء وجه جواز المخالفة فيها فلعل

٨١

ـ ما ذكره هنا مبنى على مذهب الغير ويؤيد ذلك على ما يأتى ان الشيخ قدس‌سره نسب جواز ارتكاب جميع اطراف الشبهة فى الشبهة الغير المحصورة الى ظاهرهم (قال فى بحر الفوائد) لو قلنا بان العلم الاجمالى فى الشبهة الغير المحصورة غير مؤثر فى تنجز الخطاب فى نظر العقلاء فيكون كالشك البدوى استقام ما ذكره هنا ولكن بناؤه ليس عليه حسبما ستقف عليه فلعل ما ذكره مبنى على ما عليه المشهور اذ كلامه فى المقام ليس فى تحقيق المسألة بل مسوق لبيان فساد القياس وان فى الشبهة الغير المحصورة وجها يقتضى عدم تأثير العلم الاجمالى فى تنجز الخطاب بالواقع وكونها كالشبهة الابتدائية المجردة كما يدل عليه قوله فسيجيء وجه جواز المخالفة فيها فافهم وعلى كل تقدير ، القياس بالشبهة الغير المحصورة فى غير محله كما لا يخفى انتهى.

(قوله واما الحاكم فوظيفته الخ) اقول قد تفصّى الشيخ قدس‌سره عن الاقرار ونحوه فى ظاهر كلامه بان الحاكم ليس بآخذ لمال الغير وانما هو قائم مقام المستحق فى اخذ حقه بالاسباب الظاهرية فهو بمنزلة الوكيل له ولا عبرة بعلمه الاجمالى نظير ذلك ما اذا اذن المفتى لكل واحد من واجدى المنى فى الثوب المشترك فى دخول المسجد ونحوه من الآثار الشرعية.

(وبعبارة اخرى) ان للحاكم وظيفتين وظيفة بالنسبة الى نفسه ووظيفة بالنسبة الى غيره فبالنظر الى الاولى لا يجوز له المخالفة وبالنظر الى الثانية لا مانع عنها كما اذا افتى لكل من واجدى المنى بدخول المسجد ونحوه فانه انما يأذن كلا منهما بملاحظة تكليفه فى نفسه فلا يقال انه يلزم من ذلك اذن الجنب فى دخول المسجد وهو حرام.

(وببيان آخر) ان الحكم الظاهرى فى حق كل احد نافذ واقعا فى حق الآخر بمعنى انه يجب على الغير الالتزام به بحسب الواقع بمعنى ترتيب آثار الحكم الواقعى عليه ما لم يعلم تفصيلا خلافه مثلا من كان صلاته بحسب الظاهر

٨٢

يأخذه منهما يعامل معه معاملة الملك الواقعى نظير ما يملكه ظاهرا بتقليد او اجتهاد يخالف لمذهب من يريد ترتيب الآثار بناء على ان العبرة فى ترتيب آثار الموضوعات الثابتة فى الشريعة كالملكية والزوجية وغيرهما بصحتها عند المتلبس بها كالمالك والزوجين ما لم يعلم تفصيلا من يريد ترتيب الاثر خلاف ذلك ولذلك قيل بجواز الاقتداء فى الظهرين بواجدى المنى فى صلاة واحدة بناء على ان المناط فى صحة الاقتداء الصحة عند المصلى ما لم يعلم تفصيلا فساده واما مسئلة الصلح فالحكم فيها تعبدى وكانه صلح قهرى بين المالكين او يحمل على حصول الشركة بالاختلاط وقد ذكر بعض الاصحاب ان مقتضى القاعدة الرجوع الى القرعة.

ـ صحيحة عند نفسه فللآخر ان يترتب عليها آثار الصحة الواقعية فيجوز له الايتمام فى صلاة او صلاتين والبحث عن هذه الجهة قد تقدم تفصيلا فى مبحث القطع فراجع (واما غير الحاكم) ممّن اتفق له اخذ المالين من الشخصين المقر لهما فى مسئلة الاقرار فلا نسلم جواز اخذه لهما لاجل لزوم المخالفة القطعية باجتماع العين والقيمة عند واحد وببيعهما بثمن واحد مع علمه بعدم انتقال تمام الثمن اليه لكون بعض مثمنه مال المقر فى الواقع وكذلك لا نسلم جواز اخذه لشىء منهما لوجوب الموافقة القطعية والاحتياط بناء على ما سيحققه قدس‌سره فى المقام الثانى (إلّا اذا قلنا) بان ما يأخذه منهما يعامل معه معاملة الملك الواقعى نظير ما يملكه ظاهرا بتقليد او اجتهاد يخالف لمذهب من يريد ترتيب الآثار بمعنى ان يكون موضوع البيع والصلح وسائر النواقل الشرعية وغيرها هو الاعم من الملك الظاهرى والواقعى فما يكون ملكا للبائع بحسب الظاهر يكون بعد البيع ملكا واقعيا للمشترى ويترتب عليه جميع آثار الملكية الواقعية وكذلك المشترى. (وكذا فى غير موارد النقل والانتقال) كالاقتداء والزوجية وغيرهما كما

٨٣

ـ ذكره قدس‌سره فى المتن فيرجع حاصل ما ذكر الى كون الحكم الظاهرى فى حق كل احد مما يجب على الغير الالتزام به بحسب الواقع بمعنى ترتيب آثار الحكم الواقعى عليه ما لم يعلم تفصيلا خلافه ولذلك قيل بجواز الاقتداء فى الظهرين بواجدى المنى فى صلاة واحدة بناء على ان المناط فى صحة الاقتداء الصحة عند المصلى ما لم يعلم تفصيلا فساده.

(وفى بحر الفوائد) وهذا المعنى اى كون الحكم الظاهرى فى حق كل احد مما يجب على الغير الالتزام به بحسب الواقع وان قام الدليل عليه عندنا فى الجملة إلّا انه ليس الامر كذلك فى جميع المقامات ولذا لا يجوز الاقتداء بواجدى المنى فى صلاة واحدة بل فى صلاتين ايضا ومنه يظهر انه لو قيل بعدم الموضوعية فى باب الاملاك كما هو الحق لم يجز للحاكم اخذ العين والقيمة من المقرين لهما كغيره نعم له الحكم باخذهما لهما عن المقر كما انه لا يجوز له الصلاة خلف واجدى المنى وان افتى بجواز الصلاة لهما وصحتها انتهى.

(واما الجواب) عن مسئلة الصلح التى حكموا فيها بعد تلف احد الدراهم عند الودعى بتنصيف احد الدرهمين الباقيين بين المالكين فحكمهم فيها تعبدى من جهة عدم التمكن من ايصال الحق ولو بعضه الى ذى الحق الا به وان كان بحسب الواقع مستلزما للمخالفة القطعية او يحمل على حصول الشركة بالاختلاط وهذا الوجه ايضا لا يخلو عن التأمل.

(كما قال بعض المحشين) ان لازم حصول الشركة بالاختلاط فى المقام هو صيرورة الثلث من الدرهمين لمالك الواحد والثلثين لمالك الاثنين فكيف يستقيم ما افاده من التقسيم فاللازم الحكم بتقسيم الدرهمين الباقيين اثلاثا فافهم.

(وقد ذكر بعض الاصحاب) ان مقتضى القاعدة الرجوع الى القرعة استنادا الى عمومات القرعة من انها لكل امر مشكل او مشتبه وبعض الاخبار الوارد فى قطيعة الغنم وفيه ما لا يخفى.

٨٤

(وبالجملة) فلا بد من التوجيه فى جميع ما توهم جواز المخالفة القطعية الراجعة الى طرح دليل شرعى لانها كما عرفت مما يمنع عنها العقل والنقل خصوصا اذا قصد من ارتكاب المشتبهين التوصل الى الحرام وهذا مما لا تأمل فيه ومن يظهر منه جواز الارتكاب فالظاهر انه قصد غير هذه الصورة ومنه يظهر ان الزام القائل بالجواز بان تجويز ذلك يفضى الى امكان التوصل الى فعل جميع المحرمات على وجه مباح بان يجمع بين الحلال والحرام المعلومين تفصيلا كالخمر والخل على وجه يوجب الاشتباه فيرتكبهما محل نظر خصوصا على ما مثل به من الجمع بين الاجنبية والزوجة هذا كله فيما اذا كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين امرين واما اذا كان مرددا بين عنوانين كما مثلنا سابقا بالعلم الاجمالى بان احد المائعين اما خمر او الآخر مغصوب فالظاهر ان حكمه كذلك اذ لا فرق فى عدم جواز

ـ (اقول) تفصيل الجواب فى جميع الموارد التى توهم جواز المخالفة القطعية فيها قد تقدم فى الجزء الاول من الكتاب مع ما علقنا عليه فان الشيخ قدس‌سره قد استوفى الكلام فيه نقضا وحلا حق الوفاء ومن اراده فليرجع اليه وعلى كل حال لا بد لنا من التوجيه فى جميع ما توهم جواز المخالفة القطعية الراجعة الى طرح دليل شرعى اذ لا فرق فى عدم جوازها بين العلم التفصيلى بالحكم الشرعى المتولد من العلم الاجمالى وبين غيره من العلوم التفصيلية لانها مما يمنع عنها العقل والنقل خصوصا اذا قصد من ارتكاب المشتبهين التوصل الى الحرام بناء على قبح التجرى وحرمته كما هو مقالة بعض المحققين.

(واما من لا يقول) بقبح التجرى وحرمته من حيث الفعل المتجرى فى ضمنه بل هو مقتضى للذم من جهة خبث باطنه وسوء سريرته وجرأته كما هو مذاقه قدس‌سره على ما تقدم فى البحث عن التجرى فى الجزء الاول فلا يظهر من القائل

٨٥

ـ بالجواز على هذا المذاق جوازه فى غير هذه الصورة.

(ولما ذكر قد اورد فى بحر الفوائد) على ما ذكره قدس‌سره بانه ليس خصوصية لما ذكره فانه ان كان العلم الاجمالى منجزا للخطاب المعلوم بالاجمال فى نظر العقل فارتكاب المشتبهين مما لا يجوز عند العقل سواء قصد من ارتكابهما تحصيل العلم بالوصول الى الحرام او ارتكبهما من غير هذا القصد وان لم يكن منجزا للخطاب المعلوم بالاجمال عنده فلا وجه للالتزام بعدم جواز ارتكابهما اذا قصد منه التوصل الى الحرام.

(نعم) لا اشكال فى انه على التقدير الاول يكون ذم القاصد اشدّ عند العقلاء لكنه نظير الذم على المتجرى لا يوجب شيئا عند الاستاد العلامة ودعوى قبح الارتكاب على تقدير قصد التوصل عند العقلاء مع قطع النظر عن التزامهم بايجاب العلم الاجمالى تنجز الحطاب مطلقا كما ترى.

(قوله ومنه يظهر ان الزام القائل بالجواز الخ) يعنى مما ذكرنا من ان احتمال الجواز والقول به انما فى صورة عدم قصد التوصل الى الحرام وإلّا فلا اشكال فى الحرمة والملزم هو صاحب الفصول ره ولا بأس بنقل عين عبارته لتكون على بصيرة بمرامه.

(حيث قال) قضية ما ذكروه اى القائلون بجواز الارتكاب عدم الفرق بين صورة امكان تعيين الحرام وغيرها ولا بين انواع الحرام وبطلان هذا فى الجملة مما يعرف من ضرورة دين الاسلام بل وضرورة ساير الاديان اذ فتح هذا الباب يؤدى الى رفع العصمة عن الاموال والفروج والدماء.

(اما على القول الاول) ففيما لو تعدد الفاعل او كرر صور الاشتباه الى ان صادف المحرّم فيجوز لجماعة اجتمعوا على ارغفة مغصوبة اذا وضعوا بينهما رغيفا مباحا على وجه حصل الاشتباه بينه وبينها ولو لعارض كالظلمة ان يتناول كل واحد منهم رغيفا او دراهم مغصوبة وضعوا فيها درهما مباحا ان يتصرف كل

٨٦

المخالفة للدليل الشرعى بين كون ذلك الدليل معلوما بالتفصيل وكونه معلوما بالاجمال فان من ارتكب الإناءين فى المثال يعلم بانه خالف دليل حرمة الخمر او دليل حرمة الغصب ولذا لو كان اناء واحد مرددا بين الخمر والمغصوب لم يجز ارتكابه مع انه لا يلزم منه الا مخالفة احد الدليلين لا بعينه وليس ذلك إلّا من جهة ان مخالفة الدليل الدليل الشرعى محرم عقلا وشرعا سواء تعين للمكلف او تردد بين دليلين ويظهر من صاحب الحدائق التفصيل فى باب الشبهة المحصورة بين كون المردد بين المشتبهين فردا من عنوان فيجب الاجتناب عنه وبين كونه مرددا بين عنوانين فلا يجب فان اراد عدم وجوب الاجتناب عن شىء منهما فى الثانى وجواز ارتكابهما معا فظهر ضعفه بما ذكرنا وان اراد عدم وجوب الاحتياط فيه فسيجيء ما فيه.

ـ واحد منهم فى درهم وفيما لو صادفوا امرأة واشتبه على كل واحد منهم كونها زوجته او اجنبية ان يحل لهم وطؤها على التعاقب مع تخلل العدة ان كانت ذات عدة وإلّا فبدونها ولو بطريق الاجتماع بقدر الامكان وان حرم عليها تمكين نفسها لغير واحد منهم مع تمكنها.

(وعلى هذا) فلو عقد اثنان على امرأتين واشتبهت إحداهما بالاخرى جاز لهما ان يختارا واحدة ويستمتعا بها حتى بالوطى مع تخلل العدة حيث يجب وليس لاحدهما منع الآخر الى ان قال وكذا لو اراد وطى اجنبية جاز له ان يحدث الاشتباه بينها وبين زوجته ثم يأتى إحداهما فان صادفها وإلّا كرر ذلك الى ان يصادفها ومثله الكلام فى المال والنفس.

(واما على القول الثانى) فيلزم ذلك مطلقا فيجوز لمن كان له زوجة فى دار او بلد ان يطأ كل امرأة يصادفها فيها ما لم يعلم انها غيرها الى ان قال واما الفرق فى ذلك بين الاموال والفروج والدماء كما وقع من البعض فناش

٨٧

ـ عن قصور النظر وقلة التدبر فان الشارع كما يريد حفظ دماء المسلمين كذلك يريد حفظ اعراضهم واموالهم وان كان الحكم فى البعض آكد فان ذلك لا يصلح فارقا لتحقق مثله فى الاموال ايضا.

(وبالجملة) ففساد ذلك اجلى من ان يحتاج الى بيان إلّا ان فساد بعض فروعه ربما يشتمل على نوع خفاء فى بادئ النظر ومنه سرى الوهم انتهى محل الحاجة من كلامه ره.

(ولكن لا يخفى عليك) انه يمكن القول بعدم صحة ما ذكره صاحب الفصول ولو بنينا على جواز الارتكاب فى الشبهة المحصورة وعدم الالتزام بالاطاعة رأسا وان كان الارتكاب مع قصد التوصل ايضا حيث ان الجمع على النحو الذى ذكره مع ارتكاب المشتبهين مخالفة عند العقلاء للخطاب التفصيلى المتعلق بالامر المعلوم قبل ايجاد الاشتباه ولعله لما ذكرنا قال قدس‌سره ومنه يظهر ان الزام القائل بالجواز الخ محل نظر.

(قوله خصوصا على ما مثل به الخ) وجه الخصوصية فى المرأتين المشتبهتين وجود الاصل الموضوعى اعنى اصالة عدم الزوجية وهو مانع من اجراء البراءة كما تقدمت الاشارة الى ذلك فى البراءة مضافا الى اهتمام الشارع بامر الفروج والاعراض فلا يجوز الارتكاب فى مثال الزوجة والاجنبية وان قلنا بالجواز فى غيره.

(قوله كما مثلنا سابقا بالعلم الاجمالى الخ) اقول ان المثال الذى ذكره قدس‌سره قد سبق فى الجزء الاول من الكتاب فى مبحث القطع لا فى هذا الجزء.

(وكيف كان) ملخص ما استدل به على ما اختاره انما هو وجود المقتضى وفقدان المانع الذى دل على عدم جواز الارتكاب سواء كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا كالخمر مرددا بين امرين او كان مرددا بين عنوانين كالمثال المذكور.

(غاية الفرق) ان الخطاب الواقعى فى ذى العنوان الواحد معلوم بالتفصيل وفى ذى العنوانين معلوم بالاجمال وهو لا يوجب الفرق من حيث عدم

٨٨

ـ جواز المخالفة ولذا لو كان اناء واحد مرددا بين الخمر والغصب لم يجز ارتكابه مع انه لا يلزم منه الا مخالفة احد الخطابين وليس ذلك إلّا من جهة ان مخالفة الدليل الشرعى محرم عقلا وشرعا سواء تعين للمكلف او تردد بين دليلين.

(ولكن قال فى بحر الفوائد فى المقام) انه لا اشكال فى صحة ما ذكره دام ظله وان خالف غير واحد منهم بعض الافاضل ممن قارب عصرنا نظرا الى ان الشك بالنسبة الى كل من الخطابين يرجع الى الشك الابتدائى لفرض عدم العلم بوجود متعلقه والنهى عن العنوان المردد بين العنوانين ايضا لم يقع فى احد من الادلة فلا مانع من البناء على الرجوع الى الاصل فى المقام هذا.

(ولكنك خبير) بفساد هذه المقالة واندفاع هذه الشبهة لان الحاكم فى مسئلة الاطاعة والمعصية وفى مسئلة تأثير العلم الاجمالى ليس إلّا العقل ونحن نرى بالمشاهدة والعيان استقلال العقل بعدم الفرق فى الحكم بوجوب الاطاعة بعد العلم بوجود متعلق الخطاب الشرعى اجمالا بين كون الخطاب مرددا بين الخطابين وبين كونه مفصلا مميزا عما عداه.

(ويوضح ما ذكرنا غاية الايضاح) ما ذكره الاستاد العلامة من فرض الكلام فى شيء واحد مرددا امره بين كونه احد العنوانين الذين نهى الشارع عنهما فان ما ذكر من الدليل بعينه جار فيه ايضا مع ان ضرورة العقل يحكم بعدم جوازه.

(وليس الفرق بينه وبين المقام) الا تردد العنوان المردد بين العنوانين وعدمه والمفروض ان تردد المتعلق لا اثر له عند العقل فى زعم هذا القائل فى حكمه بتنجز الخطاب فلم يبق الا تردد عنوان الحرام ولهذا بنى على وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة.

(ومنه يظهر فساد) ما يقال فى الفرق بين المثال والمقام من حصول العلم التفصيلى بالحرام فى المثال وان كان متولدا من العلم الاجمالى بخلاف المقام هذا

٨٩

ـ وقد تقدم تفصيل القول فى ذلك مشروحا فى الجزء الاول فراجع اليه.

(قوله ويظهر من صاحب الحدائق التفصيل الخ) اقول على تقدير صحة التفصيل المحكى عنه يمكن ان يقال ان وجهه معلومية دليل الاجتناب فى الاول دون الثانى اذ يحتاج فيه الى انتزاع عنوان كلى ولا اعتبار بالعناوين المنتزعة.

(قال بعض المحشين) ان ظاهر الكتاب بل صريحه نسبة الخلاف الى صاحب الحدائق ولكن الذى يحكى عنه فى تنبيهات المسألة لا تعلّق له بالتفصيل فى المقام بل صريحه التفصيل بين كون المشتبهين مندرجين تحت عنوان واحد وغيره كما ستقف عليه فراجع الى الحدائق لعلك تظفر على مخالفته فى المسألتين وان كنا لم نقف عليها بعد المراجعة انتهى وما اجاب به الشيخ قدس‌سره عن التفصيل المذكور واضح فلا حاجة الى التوضيح.

(هذا تمام الكلام) فيما يتعلق بالشبهة المحصورة من جهة حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم وعدمها واختار قدس‌سره عدم الجواز وحرمة المخالفة القطعية وما ذهب اليه ره هو الاقوى لوجود المقتضى للحرمة وعدم المانع عنها.

٩٠

(اما المقام الثانى) فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور وفى المدارك انه مقطوع به فى كلام الاصحاب ونسبه المحقق البهبهانى فى فوائده الى الاصحاب وعن المحقق المقدس الكاظمينى فى شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا وذهب جماعة الى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة ، لنا على ما ذكرنا انه اذا ثبت كون ادلة تحريم المحرمات شاملة للمعلوم اجمالا ولم يكن هنا مانع عقلى او شرعى من تنجيز التكليف به لزم بحكم العقل التحرز عن ارتكاب ذلك المحرم بالاجتناب عن كلا المشتبهين وبعبارة اخرى التكليف بذلك المعلوم اجمالا ان لم يكن ثابتا جازت المخالفة القطعية.

ـ (اقول) قد تقدم ان الكلام فى الشبهة المحصورة يقع فى مقامين.

(احدهما) حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم وعدمها وقد سبق البحث تفصيلا من هذه الجهة.

(الثانى) وجوب اجتناب الكل وعدمه وبعبارة اخرى وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم وعدمه واختلفوا فى المقام الثانى على اقوال والمعروف والمشهور بينهم هو وجوب الموافقة القطعية.

(وما ذهب اليه المشهور) هو الاظهر عند الشيخ قدس‌سره حيث قال ان الحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين موافقا للمشهور والمعظم من الاصحاب وفى المدارك انه مقطوع به فى كلام الاصحاب ونسبه المحقق البهبهانى فى فوائده الى الاصحاب وكلامهما ظاهر فى دعوى الاجماع وعن المحقق الكاظمينى فى شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا.

(ولكن) قد حكى عن بعض الافاضل القدح فى دعوى الاجماع او عدم الخلاف فى المقام قائلا ان دعوى الاجماع انما نشأت من اتفاق كلماتهم فى مسألتين إحداهما مسئلة الإناءين المشتبهين وثانيتهما مسئلة المنع عن السجود

٩١

ـ على الموضع المشتبه بالنجس ولا يثبت الكلية بل لا يثبتها لو وقع الخلاف فى اكثر منهما.

(وكيف كان) انه قدس‌سره قد استدل على وجوب الموافقة القطعية مضافا الى دعوى الاجماع بما تقدم فى حرمة المخالفة القطعية تفصيلا من وجود المقتضى وفقدان المانع فحينئذ لزم بحكم العقل التحرز عن ارتكاب المحرم الواقعى المعلوم اجمالا بالاجتناب عن كلا المشتبهين اذ بعد ثبوت الاشتغال على وجه اليقين يجب تحصيل القطع بالبراءة مهما امكن.

(ولذا اشتهر بين الطلبة فضلا عن الخواص) ان الاشتغال اليقينى يستدعى البراءة اليقينية وهو معنى ترك ارتكاب كلا المشتبهين فى المقام ووجه ما ذكره حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل الاخروى عنده كما يحكم العقل بوجوب النظر الى المعجزة لاجل حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل الاخروى فمقتضى ذلك الدليل هو وجوب الموافقة القطعية.

(واما) من لم يحكم بوجوب الاحتياط فى المقام مع اعترافه بتنجز الخطاب فانما هو من جهة الاخبار الكاشفة عن عدم احتمال الضرر فى فعل احدهما حيث ان اجرائها بالنسبة اليه لا مانع عنه على ما يدعيه حسبما ستقف عليه.

(قوله وبعبارة اخرى الخ) اراد بذلك دعوى الملازمة بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية اذ لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة ان التكليف المعلوم اجمالا لو كان منجزا لوجب موافقته قطعا وإلّا لم تحرم المخالفة القطعية كذلك.

(وقد عرفت فيما سبق) ان العقل مستقل بان طريق الامتثال بعد ثبوت الاشتغال وتنجز الخطاب هو الاحتياط المطلق وتحصيل الموافقة القطعية فالقول بحرمة المخالفة القطعية وعدم القول بوجوب الموافقة القطعية حسبما هو قضية دعوى الخصم مما لا معنى له فلا وجه للتفصيل بينهما فكما لا يمكن الترخيص فى جميع الاطراف لما فيه من القطع.

٩٢

والمفروض فى هذا المقام التسالم على حرمتها وان كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل اذ يحتمل ان يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعى فيعاقب عليه لان المفروض لما كان ثبوت التكليف بذلك المحرم فلم يقبح العقاب عليه اذا اتفق ارتكابه ولو لم يعلم به حين الارتكاب واختبر ذلك من حال العبد اذا قال له المولى اجتنب وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الإناءين فانك لا تكاد ترتاب فى وجوب الاحتياط ولا فرق بين هذا الخطاب وبين ادلة المحرمات الثابتة فى الشريعة الا العموم والخصوص

ـ بالمناقضة فكذلك لا يمكن الترخيص فى بعض الاطراف لما فيه من احتمال المناقضة.

(وان شئت فاختبر ذلك) من حال العبد اذا قال له المولى اجتنب وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الإناءين فانك لا تكاد ترتاب فى وجوب الاحتياط ولا فرق بين هذا الخطاب وبين ادلة المحرمات الثابتة فى الشريعة الا من جهة العموم والخصوص والاجمال والتفصيل.

(ومما ذكرنا) تبين بطلان قول القائل بان التكليف مسلّم الثبوت وكذا عدم جواز المخالفة القطعية ومع ذلك يمكن القول بعدم وجوب الاحتياط اذ كما يلزم من تجويز ارتكاب الكل الذى يستلزم المخالفة القطعية تحليل الحرام الواقعى يلزم من ايجاب الاجتناب عن الكل الذى يستلزم الموافقة القطعية باعتقاد القائل بالاحتياط تحريم الحلال الواقعى للعلم بحلية احدهما فلا يمكن اجراء حكم الحرام بالنسبة اليهما.

(ووجه البطلان انه) لما كان الاقدام على الحرام مؤديا الى الضرر بخلاف ترك الحلال كان مقتضى حكم العقل ترجيح جانب الترك لحصول الامن من الضرر فى البناء عليه بخلاف جانب الفعل لما فيه من خوف الاقدام على الضرر وليس فى ذلك تحريم الحلال بل حكم بوجوب ترك الحلال لئلا يؤدى الى فعل الحرام

٩٣

(فان قلت) اصالة الحل فى كلا المشتبهين جارية فى نفسها ومعتبرة لو لا المعارض وغاية ما يلزم فى المقام تعارض الاصلين فيتخير فى العمل فى احد المشتبهين ولا وجه لطرح كليهما (قلت) اصالة الحل غير جارية هنا بعد فرض كون المحرم الواقعى مكلفا بالاجتناب عنه منجزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل فى اشتغال اليقينى بترك الحرام الواقعى هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع فى محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل المروى فى بعض كتب الفتاوى اترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس فلا يبقى مجال للاذن فى فعل احدهما وسيجيء فى باب الاستصحاب ايضا ان الحكم فى تعارض كل اصلين اذا لم يكن احدهما حاكما على الآخر هو التساقط لا التخيير.

ـ (تقرير الاشكال) ان اصالة الحل فى كل من المشتبهين جارية فى نفسها ومعتبرة لو لا المعارض لشمول قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر وقوله عليه‌السلام كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام بعينه لهما معا ولو لا وقوع المعارضة صح اجراء الاصل فى كل منهما بمقتضى العموم لكن لما علمنا اجمالا بكون احدهما لا بعينه حراما فهذا العلم الاجمالى يمنع عن العمل بالاصل فى كليهما وحيث ان التمانع انما هو فى صورة اجراء الاصلين فالعقل يحكم بالتخيير فى العمل فى احد المشتبهين لكفاية ذلك فى رفع التعارض ولا وجه لطرح كليهما.

(ملخص ما ذكره قدس‌سره فى الجواب عن الاشكال المذكور) يرجع الى وجهين (الاول) حكومة قاعدة الاشتغال على قاعدة البراءة وبيان ذلك انه بعد فرض العلم الاجمالى على التكليف لا يجرى اصالة الحل فى المشتبهين اصلا حتى يتحقق التعارض بينهما فيحكم على التخيير لان مقتضى العقل فى الاشتغال

٩٤

ـ اليقينى بترك الحرام الواقعى هو لزوم الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع فى محذور فعل الحرام فيختص الاخبار الدالة على حل الشبهة بالشبهة البدوية(ولكن) أورد بعض المحققين فى المقام بان قاعدة الاشتغال وحكم العقل بلزوم الاحتياط معلق على عدم ورود الدليل على جواز ارتكاب بعض اطراف الشبهة المحصورة فبعد ورود ما دل على الاذن والرخصة من الشارع فى ارتكاب احد اطرافها لا يحكم العقل بلزوم الاحتياط فاذن الشارع وارد على حكم العقل بلزوم الاحتياط وكيف يكون هذا الحكم مانعا عن اذن الشارع.

(الثانى) انه بعد تسليم جريان اصالة الحلية بالنسبة الى كل من المشتبهين وتعارض الاصلين فيهما نمنع من جواز الرجوع الى التخيير لان مقتضى الاصل فى تعارض الاصلين هو الحكم بالتساقط لا التخيير حتى لو قلنا بانه الاصل فى تعارض الخبرين وانما الحكم فيه بالتخيير من جهة الاخبار الواردة به المذكورة فى محلها هذا.

(قوله وسيجيء فى باب الاستصحاب ايضا الخ) اشارة الى هذا الجواب الثانى فيكون الجواب الاول اشارة الى منع كون المقام من قبيل تعارض الاصلين من جهة منع العلم الاجمالى عن جريانه مطلقا حتى يتطرق فيه احتمال التخيير والجواب الثانى الى انه على تقدير كونه من قبيله من جهة فرض عدم منع العلم الاجمالى عن جريانه فلا يجرى فيه التخيير لما ذكره فى باب الاستصحاب ان الحكم فى تعارض الاصلين مع عدم كون احدهما سببيا والآخر مسببيا الموجب لحكومة الاول على الثانى هو التساقط لا التخيير.

٩٥

(فان قلت) قوله عليه‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام او نحوه يستفاد منه حلية المشتبهات بالشبهة المجردة عن العلم الاجمالى جميعا وحلية المشتبهات المقرونة بالعلم الاجمالى على البدل لان الرخصة فى كل شبهة مجردة لا ينافى الرخصة فى غيرها لاحتمال كون الجميع حلالا فى الواقع فالبناء على كون هذا المشتبهة بالخمر خلا لا ينافى البناء على كون المشتبه الآخر خلا واما الرخصة فى شبهة مقرونة بالعلم الاجمالى والبناء على كونه خلا لما استلزم وجوب البناء على كون المحرم هو المشتبه الآخر فلا يجوز الرخصة فيه جميعا نعم يجوز الرخصة فيه بمعنى جواز ارتكابه والبناء على كون المحرم غيره مثل الرخصة فى ارتكاب احد المشتبهين بالخمر مع العلم بكون احدهما خمرا فانه لما علم من الادلة تحريم الخمر الواقعى ولو تردد بين الامرين كان معنى الرخصة فى ارتكاب احدهما الاذن فى البناء على عدم كونه هو الخمر المحرم عليه وان المحرم غيره فكل منهما حلال بمعنى جواز البناء على كون المحرم غيره.

ـ (اقول) لما كان الجواب الثانى عن السؤال السابق ان مقتضى الاصل فى تعارض الاصلين هو الحكم بالتساقط لا التخيير اراد ان يقول لا حاجة الى اثبات التخيير من الخارج حتى يمنع ويقال مرجع تعارض الاصلين هو التساقط لا التخيير(بل نفس الحديث) يدل بالالتزام على جواز البناء على التخيير والحكم بحلية احد المشتبهين اذ لما بنينا على كون المشتبه هو الموضوع المحلل يجوز البناء على كون جميع الشبهات البدوية حلالا اذا احتمل خمريتها بخلاف الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى فان البناء على حلية احدهما المستلزم للبناء على كونه خلّا ينافى البناء على كون الآخر ايضا خلّا بل لا بد حين البناء على كون احد المشتبهين موضوع الحل البناء على كون الآخر موضوع الحرمة وهذا معنى التخيير

٩٦

(والحاصل) ان مقصود الشارع من هذه الاخبار ان يلغى من طرفى الشك فى حرمة الشيء وحليته احتمال الحرمة ويجعل محتمل الحلية فى حكم متيقنها ولما كان فى المشتبهين بالشبهة المحصورة شك واحد ولم يكن فيه إلّا احتمال كون هذا حلالا وذاك حراما واحتمال العكس كان الغاء احتمال الحرمة فى احدهما اعمالا له فى الآخر وبالعكس وكان الحكم الظاهرى فى احدهما بالحل حكما ظاهريا بالحرمة فى الآخر وليس معنى حلية كل منهما الا الاذن فى ارتكابه والغاء احتمال الحرمة فيه المستلزم لاعماله فى الآخر فتأمل حتى لا يتوهم ان استعمال قوله كل شيء لك حلال بالنسبة الى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى والشبهات المجردة استعمال فى معنيين (قلت) الظاهر من الاخبار المذكورة البناء على حلية محتمل التحريم والرخصة فيه لا وجوب البناء على كونه هو الموضوع المحلل ولو سلم فظاهرها البناء على كون كل مشتبه كذلك وليس الامر بالبناء فى كون احد المشتبهين هو الخل امرا بالبناء على كون الآخر هو الخمر فليس فى الروايات من البدلية عين ولا اثر فتدبر.

ـ المستفاد من الخبر التزاما.

(والحاصل) انه لا مانع من الرجوع الى اصالة الاباحة فى واحد من المشتبهين على سبيل التخبير على التقدير المذكور الا استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد التعيين فى الشبهات البدوية والتخيير فى الشبهات المحصورة وهو ممنوع بنا على ما عليه الاكثر بل على القول بالجواز ايضا على ما تعرض له فى بحر الفوائد.

(حيث قال) ان ظاهر الاخبار هو التعيين لا التخيير بل المراد ان مفاد الاخبار ليس إلّا التعيين فى جميع المقامات لكنها انما تدل على الاباحة التعيينية

٩٧

ـ فى مشكوك الحلية بمعنى دلالتها على عدم الاعتناء باحتمال الحرمة وجعل محتمل الحلية بمنزلة مقطوعها والبناء على كونه هو الموضع المحلل.

(وهذا المعنى) فى المشتبهات بالشبهة البدوية موجود بالنسبة الى جميعها لان المفروض عدم العلم الاجمالى فيها فالبناء على حلية بعضها لا تنافى البناء على حلية بعضها الآخر فتدل على حلية جميعها يقينا.

(واما فى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى) فلا يوجد إلّا بالنسبة الى بعضها لان الموجود فيها ليس إلّا شك واحد واحتمال كون بعضها حلالا وبعضها الآخر حراما فالبناء على حلية بعضها وكونه الموضوع المحلل يستلزم عقلا للبناء على كون غيره هو الموضوع المحرم فالتخيير الموجود فيها انما هو من لوازم وحدة الشك فيها ووجوده على البدل فى كل من المشتبهات لا من جهة استعمال اللفظ فى التخيير.

(وقوله فتأمل حتى لا يتوهم الخ) يعنى ان مشكوك الحلية والحرمة لك حلال ظاهرا سواء كان من الشبهات البدوية او المقرونة بالعلم الاجمالى والحلية على البدلية فى الثانية لا يراد من الحديث بل لازم الحكم بحلية احد المشتبهين الحكم بحرمة الآخر وإلّا فدلالة الحديث على الحلية فيهما على نسق واحد.

(ولكن قال بعض المحشين) ان دلالة الحديث فى كل من الشبهة البدوية او المقرونة بالعلم الاجمالى ليست على نسق واحد لان دلالته بالنسبة الى الشبهة البدوية مطلقة بمعنى عدم وجوب الاجتناب فى شىء منها وجواز الارتكاب فى كل واحد من مواردها بخلاف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى فان جواز الارتكاب فى احد اطرافها مقيد بالاجتناب عن الآخر وجعله بدلا عن الحرام فلا يجوز الارتكاب فى جميع اطرافها.

(وكون المطلق والمقيد) معنيين متغايرين مما لا كلام فيه والتوهم لا يندفع بما ذكره قدس‌سره بل ما سبق فى اول بحث البراءة من دعوى شمول

٩٨

ـ الحديث للشبهة الحكمية والموضوعية كما عن السيد صدر والفاضل النراقى ليس باقرب واظهر من ذلك مع دعوى غير واحد من الاصحاب بانه استعمال اللفظ فى المعنيين والاستعمال فى المعنيين فى هذا المقام ليس باخفى منه فى تفسيرهما للحديث بل الانصاف ان دفعه هاهنا اصعب من دفعه ثمة انتهى وقد عرفت جوابه فيما تقدم فتأمل جيدا.

(قوله قلت الخ) اقول الجواب الاول عن السؤال المذكور ان مفاد هذه الاخبار انما هو الترخيص ونفى الحرج فى مورد الشبهة لا اثبات موضوع المحلل والمحرم والثانى انه فرق بين ان يكون مفاد الدليل ثبوت الترخيص فى الشبهة فى قبال الدليل الواقعى او جعل البدلية وما ينفع الخصم هو الثانى وليس له فى هذه الاخبار عين ولا اثر.

(والحاصل) ان المقتضى للاحتياط موجود فان الدليل المثبت للحكم الواقعى بعمومه شامل للعنوان المشتبه ومع شموله فالعقل يحتمل ان يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعى وبقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل يحكم بالاجتناب عن كل واحد منهما ولا مانع من تأثير المقتضى اذ ليس فى الاخبار لاجل عدم دلالتها الا على جواز البناء على حلية محتمل التحريم ما يصلح للمنع عن تأثير المقتضى لان الامر دائر بين المخالفة القطعية والتخيير بمعنى البناء على حلية احد المشتبهين لا بعينه والبناء على حلية احدهما المعين ووجوب الاجتناب عن الكل اى الموافقة القطعية.

(اما الوجه الاول) فالكلام بعد تسليم بطلانه كما تبين بما لا مزيد عليه فى المقام الاول.

(واما الثانى) فقد عرفت ان الامر بالبناء بحلية احد المشتبهين ليس امرا بالبناء على كون الآخر هو الحرام.

(واما الثالث) وان كان لدلالتها عليه وجه إلّا ان التعيين بعد الاشتباه يحتاج

٩٩

ـ الى الدليل وبدونه يلزم الترجيح من غير مرجح فلم يبق الا الوجه الرابع وهو وجوب الموافقة القطعية.

(وبعبارة مختصرة) ان ما ذكر فى السؤال مبنى على عدم كون العلم الاجمالى مانعا وقد تقرر سابقا كونه مانعا من الرجوع الى الاصل مطلقا من جهة كون الغاية اعم من العلم الاجمالى والتفصيلى فاللازم الحكم بوجوب الموافقة القطعية وعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية.

١٠٠