درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

ـ فى تطهير الماء النجس القليل على اقوال ثلاثة.

(احدها) ما ذهب اليه المشهور من ان تتميم القليل النجس كرا سواء كان بالماء الطاهر او النجس لا يوجب طهارته بل ينحصر طريق تطهيره باتصاله بالكر او الجارى او ما الحق بهما وهو المطر.

(وثانيها) ما ذهب اليه السيد والشيخ قدس‌سرهما من كفاية تتميمه كرا بالماء الطاهر وعدم كفاية التتميم بالماء النجس.

(وثالثها) ما ذهب اليه ابن ادريس ره من كفاية التتميم كرا مطلقا كان بالماء الطاهر او النجس وهذه هى اقوال المسألة.

(وكيف كان) فما هو العمدة هو البحث عن ادلة الاقوال وتنقيح صحيحها عن سقيمها وقد ذكرنا تفصيل ذلك فى الفقه واخترنا ما ذهب اليه المشهور.

(قوله عند غسل المحل النجس بماءين مشتبهين بالنجس) تعارض فى الفرض المذكور اصالة عدم تقدم الغسل بالماء الطاهر واصالة عدم تقدم الغسل بالماء النجس فمقتضى الاصل الاول هو طهارة المحل النجس ومقتضى الثانى هو نجاسة المحل النجس فمقتضى القاعدة بعد تعارضهما وتساقطهما هو الرجوع الى قاعدة الطهارة وفى المسألة قول آخر وهو الحكم بنجاسة المحل النجس المغسول بكل من الإناءين المشتبهين على التعاقب من حيث جريان استصحاب النجاسة على نحو الكلى الغير المعلوم الزوال وان علم بارتفاع بعض خصوصياته فافهم.

(قوله نعم ربما يجعل معاضدا لاحدهما الخ) هو اشارة على ما تعرض له بعض المحشين الى ردّ من زعم ان قاعدة الطهارة لا تكون مرجعا بعد تعارض الاصلين فى المشتبهين بل هى مرجحة للاصل الموافق لها فيصير اصالة الطهارة فى احد المشتبهين معتضدة بالقاعدة المذكورة بدعوى كونهما فى مرتبة واحدة فيقدم بذلك على الآخر فيحكم بطهارة احد المشتبهين فى صورة وجود الملاقى له من جهة تعاضد الاصل فيه بالاصل الموجود فى احد المشتبهين فيقدم على الاصل فى الطرف الآخر.

١٨١

ـ (لكنه توهم فاسد) بتقريب ان الاصل فى الملاقى ليس فى عرض الاصل فى الملاقى بالفتح لان الاصل فى الاول اصل فى الشك فى المسبب والاصل فى الثانى اصل فى الشك فى السبب لما تقدم من ان الشك فى الملاقى بالكسر مسبب عن الشك فى الملاقى فبعد اجراء الاصل فى الشك السببى لم يجر الاصل فى الشك المسببى لكونه حاكما عليه ويأتى ان ملاحظة الترجيح بين الاصلين انما هو اذا لم يكن بينهما ترتب وحكومة وإلّا فالعمل على الاصل الحاكم كما لا يخفى.

(وحينئذ) فيحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح بمقتضى ما دل على وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة وبعدم وجوب الاجتناب فى الملاقى بالكسر لقضية القاعدة المذكورة.

١٨٢

(فالتحقيق) فى تعارض الاصلين مع اتحاد مرتبتهما لاتحاد الشبهة الموجبة لهما الرجوع الى ما ورائهما من الاصول التى لو كان احدهما سليما عن المعارض لم يرجع اليه سواء كان هذا الاصل مجانسا لهما او من غير جنسهما كقاعدة الطهارة فى المثالين فافهم واغتنم وتمام الكلام فى تعارض الاستصحابين سيجىء إن شاء الله تعالى نعم لو حصل للاصل فى هذا الملاقى بالكسر اصل آخر فى مرتبته كما لو وجد معه ملاقى المشتبه الآخر كانا من الشبهة المحصورة ولو كان ملاقات شىء لاحد المشتبهين قبل العلم الاجمالى وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالى بنجاسة المشتبه الباقى او المفقود قام ملاقيه مقامه فى وجوب الاجتناب عنه وعن الباقى لان اصالة الطهارة فى الملاقى بالكسر معارضة باصالة الطهارة فى المشتبه الآخر لعدم جريان الاصل فى المفقود حتى يعارضه.

ـ (اقول ان التحقيق) فى تعارض الاصلين مع اتحاد مرتبتهما بان لم يكن احدهما حاكما او واردا على الآخر هو الرجوع الى ما ورائهما من الاصول التى لو كان احدهما سليما عن المعارض لم يرجع اليه سواء كان هذا الاصل مجانسا لهما كاستصحاب الطهارة فى ملاقى احد المشتبهين المجانس لاستصحابى الطهارة فى المشتبهين فانه بعد تعارض الاستصحابين فى المشتبهين وتساقطهما يرجع الى استصحاب طهارة الملاقى وهو من جنسهما لكون كل واحد منها استصحابا وان لم يكن فى مرتبتهما لجريانهما فى السبب وجريان هذا فى المسبب على ما تقدم ذكره او من غير جنسهما كقاعدة الطهارة فى المثالين المتقدمين.

(فان الاصلين المتعارضين فى المثالين من جنس الاستصحاب والاصل المرجع هو قاعدة الطهارة فيهما ومن المعلوم انه لو جرى الاستصحاب وكان سليما عن المعارض فيهما لم يرجع الى قاعدة الطهارة لتقدم الاستصحاب على القاعدة بحسب الدرجة على ما تقرر فى محله وتمام الكلام فى تعارض الاستصحابين

١٨٣

ـ إن شاء الله تعالى نعم لو حصل للاصل فى هذا الملاقى بالكسر اصل آخر فى مرتبته كما لو وجد معه ملاقى المشتبه الآخر كانا من الشبهة المحصورة.

(قوله ولو كان ملاقات شىء لاحد المشتبهين الخ) اقول ما تقدم من الكلام كله فى حكم الملاقى بالكسر لاحد المشتبهين اذا كان الملاقاة بعد العلم الاجمالى وكان الملاقى بالفتح موجودا وقد عرفت ان الحكم فيه وجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر بقى الكلام فى بيان حكم باقى الصور المتصورة فى المسألة وان جميع الصور ليست متحدة الحكم وهى اربع صور.

(الاولى) ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى مع بقاء الملاقى بالفتح ولا اشكال فى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر ووجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح كالصورة السابقة لعين ما ذكر من الوجه فى تلك الصورة.

(الثانية) ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى وفقد الملاقى بالفتح قبله ثم حصل العلم الاجمالى بنجاسة المشتبه الباقى او المفقود قام الملاقى بالكسر مقام الملاقى بالفتح بمعنى انه يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر وعن صاحب الملاقى لان اصالة الطهارة فى الملاقى بالكسر معارضة باصالة الطهارة فى المشتبه الآخر لعدم جريان الاصل فى المفقود حتى يعارضه لما اشار اليه قدس‌سره فى الامر الثالث من عدم جريان الاصل فيما لا يبتلى به المكلف ولا اثر له بالنسبة اليه.

(الثالثة) ما لو كانت الملاقاة بعد العلم الاجمالى مع فقد الملاقى بالفتح بعده ايضا لا اشكال فى هذه الصورة فى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر وعدم قيامه مقام الملاقى لسلامة الاصل من جانب الملاقى بالكسر عن معارضة اصالة الطهارة عن جانب صاحب الملاقى بالفتح لسقوطها بمعارضتها الاصالة الطهارة فى الملاقى

١٨٤

لما اشرنا اليه فى الامر الثالث من عدم جريان الاصل فيما لا يبتلى به المكلف ولا اثر له بالنسبة اليه فمحصل ما ذكرنا ان العبرة فى حكم الملاقى بكون اصالة طهارته سليمة او معارضة ولو كان العلم الاجمالى قبل فقد الملاقى والملاقاة ففقد فالظاهر طهارة الملاقى ووجوب الاجتناب عن صاحب الملاقى ولا يخفى وجهه فتأمل جيدا.

ـ قبل فقده فاذا حكم بالتساقط لاجل معارضتها للاصل فى جانب صاحبه فى زمان وجوده فلا وجه لعود الاصل والرجوع اليه فى زمان آخر حتى يكون معارضا للاصل والملاقى بالكسر وإلّا لجاز اتلاف احد المشتبهين فى الشبهة المحصورة ثم اجراء الاصل فى الآخر الباقى.

(الرابعة) ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى مع كون فقد الملاقى وحصول العلم متقارنين وحكم هذه الصورة ما مر فى الصورة الثانية من وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر وعن صاحب الملاقى ووجهه ما مر فى الصورة الثانية(قوله ولا يخفى وجهه فتأمل جيدا) يمكن ان يكون الامر بالتأمل اشارة الى دقة ما ذكر من اختلاف الحكم فى صور المسألة ويمكن ان يكون اشارة الى ان ما ذكر من ان الاصل فى الشك السببى حاكم على الاصل فى الشك المسببى قد خالف فيه جماعة كما يظهر من المحقق القمى فى بعض كلماته.

(وقال بعض المحشين) وجه التأمل اشارة الى انه قد يتوهم ثبوت العلم الاجمالى بمخالفة احد الخطابين اما خطاب اجتنب عن النجس او اجتنب عن المتنجس وهو غير جائز ثم قال ان التوهم المذكور مندفع بادنى تأمل فان العلم الاجمالى بوجوب الاجتناب كان مؤثرا فى الاجتناب عن صاحب الملاقى بالفتح قبل فقد الملاقى بل قبل الملاقاة والشك فى حدوث الخطاب بالاجتناب عن المتنجس وهو شك بدوى وليس طرفا للعلم الاجمالى فيجرى اصالة الطهارة والاباحة فى ارتكاب الملاقى بالكسر.

١٨٥

(الخامس) لو اضطر الى ارتكاب بعض المحتملات فان كان بعضا معينا فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقى ان كان الاضطرار قبل العلم او معه لرجوعه الى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى لاحتمال كون المحرم هو المضطر اليه وقد عرفت توضيحه فى الامر المتقدم وان كان بعده فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لان الاذن فى ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى يرجع الى اكتفاء الشارع فى امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات ولو كان المضطر اليه بعضا غير معين وجب الاجتناب عن الباقى وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى لان العلم حاصل بحرمة واحد من امور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه وترخيص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الامر بالاجتناب عن الباقى.

ـ (التنبيه الخامس) فى انحلال العلم الاجمالى للاضطرار الى ارتكاب بعض الاطراف وعدمه اقول ان تحقيق الحال فى انحلال العلم الاجمالى للاضطرار يستدعى التكلم فى مقامين.

(المقام الاول) فيما اذا كان الاضطرار الى احدهما المعين كما اذا علمنا بنجاسة احد المائعين الماء او الحليب مع الاضطرار الى شرب الماء.

(المقام الثانى) فيما اذا كان الاضطرار الى احدهما لا على التعيين كما اذا علمنا اجمالا بنجاسة احد الماءين مع الاضطرار الى شرب احدهما لا بعينه

(اما المقام الاول) فهو يتصور بصور ثلاث.

(الصورة الاولى) ان يكون الاضطرار حادثا بعد التكليف وبعد العلم به.

(الصورة الثانية) ان يكون الاضطرار حادثا بعد التكليف وقبل العلم به كما اذا كان نجسا فى الواقع ولكنه لم يكن عالما به فاضطر الى شرب احدهما

١٨٦

فان قلت ترخيص ترك بعض المقدمات دليل على عدم ارادة الحرام الواقعى ولا تكليف بما عداه فلا مقتضى لوجوب الاجتناب عن الباقى قلت المقدمة العلمية مقدمة للعلم واللازم من الترخيص فيها عدم وجوب تحصيل العلم لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى رأسا وحيث ان الحاكم بوجوب تحصيل العلم هو العقل بملاحظة تعلق الطلب الموجب للعقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا المحتمل كان الترخيص المذكور موجبا للامن من العقاب على المخالفة الحاصلة فى ترك هذا الذى رخص فى تركه فيثبت من ذلك تكليف متوسط بين نفى التكليف رأسا وثبوته متعلقا بالواقع على ما هو عليه وحاصله ثبوت التكليف بالواقع من الطريق الذى رخص الشارع فى امتثاله منه وهو ترك باقى المحتملات.

ـ ثم علم بان احدهما كان نجسا قبل الاضطرار.

(الصورة الثالثة) ان يكون الاضطرار حادثا قبل التكليف وقبل العلم به (اما الصورة الاولى) فاختلف كلماتهم فيها فاختار الشيخ قدس‌سره عدم انحلال العلم الاجمالى بدعوى ان التكليف قد تنجز بالعلم الاجمالى قبل عروض الاضطرار ولا رافع له فى الطرف غير المضطر اليه.

(وذهب صاحب الكفاية) (ره) فى متن الكفاية الى الانحلال وعدم التنجيز بدعوى ان تنجيز التكليف يدور مدار المنجز حدوثا وبقاء والمنجز هو العلم الاجمالى بالتكليف وبعد الاضطرار الى احد الطرفين لا يبقى علم بالتكليف فى الطرف الآخر بالوجدان كما هو الحال فى العلم التفصيلى بعد زواله بالشك السارى فان التنجيز يسقط بزواله فالعلم الاجمالى لا يكون اقوى فى التنجيز من العلم التفصيلى ثم انتقض بفقدان بعض الاطراف حيث قال ره لا يقال الاضطرار الى بعض الاطراف ليس كفقد بعضها فكما لا اشكال فى لزوم رعاية الاحتياط فى الباقى مع الفقدان كذلك لا ينبغى الاشكال فى لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب

١٨٧

ـ الاجتناب عن الباقى او ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.

(واجاب عنه) بما حاصله ان الاضطرار من حدود التكليف لان التكليف من اول حدوثه يكون مقيدا بعدم الاضطرار بخلاف الفقدان فانه ليس من حدوده وانما يكون ارتفاع التكليف بفقدان بعض الاطراف من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه وكذلك الحال فى فرض الامتثال والخروج عن محل الابتلاء ثم امر بالتامل (ولكنه فى الهامش) عدل عن ذلك والتزم ببقاء تنجيز العلم الاجمالى فى غير الطرف المضطر اليه بتقريب ان العلم الاجمالى من اول الامر تعلق باحد التكليفين مرددا بين القصير والطويل نظير ما لو علم اجمالا بوجوب الجلوس فى المسجد بمقدار ساعتين او الجلوس فى الصحن بمقدار اربع ساعات والعلم بالتكليف المردد بين القصير والطويل يوجب تنجيزهما معا وسقوط التكليف القصير بانتهاء امده لا يستلزم سقوط الآخر انتهى.

(هذا كله) حكم الصورة الاولى وهى ما اذا كان الاضطرار بعد التكليف وبعد العلم به ومقابلها بتمام المقابلة هى الصورة الاخيرة وهى ما اذا كان الاضطرار فيه قبل التكليف وقبل العلم به كما اذا اضطر الى شرب احد الماءين مثلا ثم علم بوقوع النجاسة فى احدهما بعد الاضطرار ولا ينبغى الاشكال فى عدم التنجيز فى هذه الصورة اذ لا علم بالتكليف فيها لاحتمال وقوع النجاسة فى الطرف المضطر اليه وحيث ان المفروض كون الاضطرار قبل وقوع النجاسة فوقوعها فى الطرف المضطر اليه لا يوجب حدوث التكليف ووقوعها فى الطرف الآخر مجرد احتمال لا مانع من الرجوع فيه الى الاصل ويلحق بهذه الصورة صورة تقارن الاضطرار والعلم بالتكليف فيجرى فيه الكلام السابق من عدم التنجيز بلا فرق بينهما(بقى الكلام فى الصورة المتوسطة) وهى ان يكون الاضطرار بعد التكليف وقبل العلم به كما اذا اضطر الى شرب احد الماءين مثلا ثم علم بان احدهما كان نجسا قبل الاضطرار فهل الاعتبار بسبق التكليف على الاضطرار فيحكم

١٨٨

ـ بالتنجيز او على العلم الحادث بعد الاضطرار فيحكم بعدمه لكون الاضطرار قبل العلم بالتكليف على الفرض فيه وجهان بل قولان الظاهر هو الثانى.

(واما المقام الثانى) وهو ما كان الاضطرار الى احد الاطراف لا بعينه ويجرى فيه ايضا الصور الثلاثة المتقدمة إلّا ان الصحيح هو تنجيز العلم الاجمالى فى جميعها حتى فيما لو كان الاضطرار قبل حدوث سبب التكليف والعلم به كما لو اضطر الى شرب احد المائعين لا بعينه ثم وقعت نجاسة فى احدهما من غير تعيين (وعلى كل حال) واختار صاحب الكفاية (ره) فيه عدم التنجيز بدعوى ان الترخيص فى بعض الاطراف لاجل الاضطرار لا يجامع التكليف الفعلى على كل تقدير فليس فى غير ما يختاره المكلف لرفع اضطراره إلّا احتمال التكليف وهو منفى بالاصل واختار الشيخ قدس‌سره التنجيز مطلقا حتى فى صورة تقدم الاضطرار على حدوث التكليف وعلى العلم به وتبعه المحقق النائينى ره.

(هذا كله) فى الاضطرار الى ارتكاب بعض الاطراف فى الشبهة التحريمية ومنه يظهر الحال الى الاضطرار فى ترك بعض الاطراف فى الشبهة الوجوبية ويجرى حكم الاضطرار فى غيره مما هو رافع للتكليف من الإكراه ونحوه.

(قوله ان كان الاضطرار قبل العلم او معه الخ) اما الاول فلا اشكال فى عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر الغير المضطر اليه لاحتمال ان يكون متعلق التكليف هو المضطر اليه فالعلم الاجمالى الحادث لم يتعلق بالتكليف الفعلى والاصول غير جارية فى جميع الاطراف لتسقط بالمعارضة لعدم جريان الاصل النافى للتكليف فى الطرف المضطر اليه للقطع بعدم وجوب الاجتناب عنه فيبقى الطرف الآخر جاريا فيه الاصل بلا معارض.

(وقس عليه) الثانى وهو ما اذا كان العلم مقارنا للاضطرار لان العلم الاجمالى انما يقتضى تنجيز التكليف الذى يمكن امتثاله والانبعاث عنه بعد العلم فالعلم المقارن للاضطرار فلا تعارض بين الاصول وهو واضح.

١٨٩

ـ (هذا كله) اذا كان الاضطرار الى المعين قبل العلم الاجمالى او مقارنا له واما اذا كان الاضطرار الى المعين بعد العلم الاجمالى فالظاهر فيه وجوب الاجتناب عن الطرف الغير المضطر اليه لان التكليف قد تنجز بالعلم الاجمالى فلا بد من الخروج عن عهدته واقصى ما يقتضيه الاضطرار الى المعين هو الترخيص فيما اضطر اليه ورفع التكليف عنه على تقدير ان يكون هو متعلق التكليف واقعا وهذا لا يوجب الترخيص فيما عداه ورفع التكليف عنه على تقدير ان يكون هو متعلق التكليف لان الضرورات تتقدر بقدرها فلا مجوز لارتكاب ما عدا المضطر اليه لا عقلا ولا شرعا وهذا معنى قوله لان الاذن فى ترك بعض المقدمات العلمية الخ فتبين ان الاضطرار الى المعين لا يرفع تأثير العلم الاجمالى بالنسبة الى الطرف الآخر اذا كان طرو الاضطرار بعد العلم.

(قوله ولو كان المضطر اليه بعضا غير معين وجب الاجتناب عن الباقى الخ) حاصله لو كان الاضطرار الى البعض الغير المعين فالظاهر وجوب الاجتناب عما عدا ما يدفع به الاضطرار مطلقا فى جميع الصور سواء كان الاضطرار قبل تعلق التكليف باحد الاطراف او بعده وسواء كان قبل العلم به او بعده او مقارنا له فان الاضطرار الى غير المعين يجتمع مع التكليف الواقعى ولا مزاحمة بينهما لامكان رفع الاضطرار بغير متعلق التكليف مع قطع النظر عن العلم والجهل الطارى (وبعبارة اخرى) ان الاضطرار فى هذا الفرض لم يتعلق بخصوص الحرام كى ترتفع حرمته به وانما تعلق بالجامع بينه وبين الحلال على الفرض فالجامع هو المضطر اليه واحدهما مع الخصوصية هو الحرام فما هو مضطر اليه ليس بحرام وما هو حرام ليس بمضطر اليه فلا وجه لرفع اليد عن حرمة الحرام المعلوم بالاجمال لاجل الاضطرار الى الجامع كما لو اضطر الى شرب احد الماءين مع العلم التفصيلى بنجاسة احدهما المعين فهل يتوهم رفع الحرمة عن الحرام المعلوم تفصيلا لاجل الاضطرار الى الجامع والمقام من هذا القبيل لعدم

١٩٠

ـ الفرق بين العلم التفصيلى والعلم الاجمالى من هذه الجهة.

(وهذا) اعنى تعلق الاضطرار بالجامع هو الفارق بين هذا المقام والمقام السابق فان الاضطرار هنا كان متعلقا باحدهما المعين وهو رافع للحرمة على تقدير ثبوتها مع قطع النظر عن الاضطرار بخلاف المقام فان الاضطرار فيه لم يتعلق إلّا بالجامع والاضطرار الى احد الامرين من الحرام او الحلال لا يوجب رفع الحرمة عن الحرام الواقعى.

(غاية الامر) ان وجوب الموافقة القطعية مما لا يمكن الالتزام به بعد الاضطرار الى الجامع لان الموافقة القطعية انما تحصل بالاجتناب عنهما معا وهو طرح لادلة الاضطرار.

(فاتضح الفرق) بين الاضطرار الى المعين وغير المعين فان المضطر اليه المعين لو كان حراما فى الواقع ترتفع حرمته واقعا والاضطرار اليه يوجب الترخيص الواقعى فى ارتكابه بخلاف غير المعين فان الاضطرار فيه انما تعلق بالجامع وهو لا يوجب ارتفاع الحرمة عن الحرام الواقعى كما تقدم.

(قوله لان العلم حاصل بحرمة واحد من امور الخ) يعنى قد علمت فى الامر الثالث ان ملاك تنجز التكليف فى مورد العلم الاجمالى انما هو كون واحد من اطراف الشبهة بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف منجزا بالاجتناب عنه وهذا الملاك حاصل فى صورة الاضطرار الى واحد غير معين وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى اذ لو فرض علمه تفصيلا بكون الحرام الواقعى هو هذا بالخصوص او ذاك لا يمنع الاضطرار المفروض عن الامر بالاجتناب عن المعلوم منجزا وهذا ظاهر.

(ولكن) قد خالف المحقق الخراسانى حيث قال فى الكفاية ان الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان الى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان الى غير معين ضرورة انه مطلقا موجب لجواز ارتكاب احد الاطراف

١٩١

ـ او تركه تعيينا او تخييرا وهو ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه بينها فعلا انتهى وفيه ما عرفت من ملاك تنجز التكليف وانه حاصل فى صورة الاضطرار الى واحد غير معين وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى فافهم.

(قوله فان قلت ترخيص ترك بعض المقدمات دليل على عدم الخ) يعنى كما ان التصريح بجواز ترك ذى المقدمة دليل على عدم وجوب مقدمته كذلك التصريح بجواز ترك المقدمة دليل على عدم وجوب ذى المقدمة لعدم جواز تخلف المعلول عن العلة التامة فعلى هذا جواز ارتكاب بعض اطراف الشبهة فى مفروض المقام يدل على عدم ارادة الشارع الحرام الواقعى ووجوب الاجتناب عنه فاذا لم يجب الاجتناب عنه لا معنى للاجتناب عن الطرف الآخر لتحصيل الاطاعة الاحتمالية.

(قوله قلت المقدمة العلمية مقدمة للعلم الخ) حاصل الجواب المذكور ان ما رخص فى تركه من المقدمات ليس مقدمة للواجب الواقعى لعدم توقف وجوده عليه لاحتمال وجوده فى الطرف الآخر فجواز تركه ليس كاشفا عن جواز ترك الواجب الواقعى رأسا بل هو مستلزم لعدم العقاب على تركه لو حصل فى ضمنه نعم عدم وجوبه مستلزم لعدم وجوب ما هو مقدمة له وهو تحصيل العلم لا لعدم وجوب الواجب الواقعى فلا بد من الحكم بلزوم الاجتناب عن الطرف الآخر لوجوب اطاعة امر المولى بقدر الامكان.

(ولذا قال الشيخ قدس‌سره) ان اللازم من الترخيص فى المقدمة العلمية عدم وجوب تحصيل العلم لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى رأسا وحيث ان الحاكم بوجوب تحصيل العلم هو العقل بملاحظة تعلق الطلب باجتناب الحرام الواقعى الموجب للعقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا المحتمل كان الترخيص المذكور موجبا للامن من العقاب على المخالفة الحاصلة فى ترك هذا الذى رخص فى تركه فيثبت من تعلق الطلب باجتناب الحرام الواقعى

١٩٢

ـ واذن الشارع بارتكاب بعض الاطراف التكليف المتوسط البرزخ بين التكليف بالواقع بما هو هو وعدم التكليف رأسا.

(قال بعض الاعلام) ومعنى التوسط فى التكليف ثبوت التكليف الواقعى على تقدير وعدم ثبوته على تقدير آخر بتقييد اطلاقه وتخصيصه بحال دون حال كما هو الشأن فى تقييد كل اطلاق بقيد وجودى او عدمى.

١٩٣

(وهذا نظير) جميع الطرق الشرعية المجعولة للتكاليف الواقعية ومرجعه الى القناعة عن الواقع ببعض محتملاته معينا كما فى الاخذ بالحالة السابقة فى الاستصحاب او مخيرا كما فى موارد التخيير ومما ذكرنا تبين ان مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم التفصيلى بالاحكام الشرعية وعدم وجوب تحصيل العلم الاجمالى فيها بالاحتياط لمكان الحرج او قيام الاجماع على عدم وجوبه ان يرجع فيما عدا البعض المرخص فى ترك الاحتياط فيه اعنى موارد الظن مطلقا او فى الجملة الى الاحتياط مع ان بناء اهل الاستدلال بدليل الانسداد بعد ابطال الاحتياط ووجوب العمل بالظن مطلقا او فى الجملة على الخلاف بينهم على الرجوع فى غير موارد الظن المعتبر الى الاصول الموجودة فى تلك الموارد دون الاحتياط.

ـ (يعنى) هذا الذى ذكرناه فى الجواب عن السؤال المذكور نظير جميع الطرق الشرعية من الامارات المعتبرة والاصول الشرعية المجعولة للتكاليف الواقعية ومرجعه هو الاقتصار على بعض محتملات الواقع كالامارات القائمة على تعيين المكلف به والاستصحابات الموضوعية والحكمية المقتضية لذلك كاستصحاب التمام او القصر.

(ومما ذكرنا تبين) ان مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم التفصيلى بالاحكام الشرعية وعدم وجوب تحصيل العلم الاجمالى فى جميع محتملات التكليف بالاحتياط لمكان العسر والحرج او قيام الاجماع على عدم وجوبه ان يرجع فيما عدا البعض المرخص فى ترك الاحتياط فيه اعنى موارد الظن مطلقا اى موارد الظن بعدم التكليف مطلقا سواء كان اطمينانيا ام لا او فى الجملة اى خصوص الظن الاطمينانى بعدم التكليف الى الاحتياط.

(ثم) ان مناط الاحتمال الثانى اندفاع الحرج الحاصل من العمل بالاحتياط

١٩٤

نعم لو قام بعد ابطال وجوب الاحتياط دليل عقلى او اجماع على وجوب كون الظن مطلقا او فى الجملة حجة فى الاحكام الشرعية او منعوا اصالة وجوب الاحتياط عند الشك فى المكلف به صح ما جروا عليه من الرجوع فى موارد عدم وجوب هذا الطريق الى الاصول الجارية فى مواردها لكنك خبير بانه لم يقم ولم يقيموا على وجوب اتباع المظنونات إلا بطلان الاحتياط مع اعتراف اكثرهم بانه الاصل فى المسألة وعدم جواز ترجيح المرجوح ومن المعلوم ان هذا لا يفيد إلّا جواز مخالفة الاحتياط بموافقة الطرف الراجح فى المظنون دون الموهوم ومقتضى هذا لزوم الاحتياط فى غير المظنونات.

ـ برفع اليد عنه فى خصوص الظن الاطمينانى بعدم التكليف ومناط الاحتمال الاول عدم اندفاعه إلّا برفع اليد عنه فى مطلق الظن بعدم التكليف هذا مع ان بناء اهل الاستدلال بدليل الانسداد بعد ابطال الاحتياط ووجوب العمل بالظن مطلقا او فى الجملة على الخلاف بينهم على الرجوع فى غير موارد الظن المعتبر الى الاصول الموجودة فى تلك الموارد دون الاحتياط.

(قوله ووجوب العمل بالظن مطلقا او فى الجملة) يعنى وجوب العمل بالظن النافى للتكليف سواء كان اطمينانيا ام لا او فى الجملة يعنى اذا كان اطمينانيا فقط على ما ذكره بعض المحشين او وجوب العمل بالظن نافيا كان او مثبتا للتكليف سواء كان اطمينانيا ام لا او فى الجملة يعنى اذا كان الظن النافى او المثبت اطمينانيا بناء على القولين فى كون النتيجة فى باب الانسداد حجية الظن مطلقا او حجية الظن الاطمينانى مطلقا.

(قال بعض المحشين) وهذا المعنى هو الاظهر لان بناء اهل الاستدلال على الرجوع الى الاصول الموجودة فى صورة فقدان الظن رأسا لا فى صورة فقدان

١٩٥

ـ الظن النافى للتكليف فعل القول الاول يرجعون الى الاصول فى صورة واحدة وهى صورة الشك فى التكليف ويرجعون الى الظن فى صور اربع صورة الظن الغير الاطمينانى بعدم التكليف وصورة الشك وصورة الظن الغير الاطمينانى بالتكليف وصورة الظن الاطمينانى بالتكليف وعلى القول الثانى يرجعون الى الاصول فى صور ثلاث فى صورة الشك وفى صورة الظن الغير الاطمينانى بالتكليف وفى صورة الظن الغير الاطمينانى بعدمه ثم ان العبارة لا تخلو عن مسامحة فى التعبير وحقها ان يقال ان مقتضى القاعدة التبعيض فى الاحتياط وعدم الحكم بحجية الظن والرجوع الى الاصول مع فقده مع ان بناء اهل الاستدلال على حجية الظن والرجوع الى الاصول مع عدمه.

(قوله الى الاصول الموجودة) يعنى الاصول الموجودة فى الموارد الجزئية من غير نظر الى العلم الاجمالى الكلى فان اقتضى العلم الاجمالى الخاص الاحتياط عملوا به وان كان الشك فى التكليف رجعوا الى البراءة وهكذا سائر الاصول.

(نعم لو قام بعد ابطال وجوب الاحتياط) على الوجه الكلى وفى جميع اطراف المعلوم اجمالا دليل عقلى او اجماع على وجوب كون الظن مطلقا سواء كان اطمينانيا ام لا او فى الجملة يعنى اذا كان اطمينانيا فقط حجة وطريقا فى الاحكام الشرعية فانه مع كونه حجة وطريقا يتشخص المعلوم بالاجمال فى ضمن المظنونات ويحكم بانحلال العلم الاجمالى كالقطع وان كان بينهما فرقا او منعوا اصالة وجوب الاحتياط بان يرجع الى اصالة البراءة فى الشبهة المحصورة الى ان يلزم المخالفة القطعية.

(قوله وعدم جواز ترجيح المرجوح) عطف على قوله بطلان الاحتياط يعنى عدم جواز ترجيح المرجوح يعنى الموهومات على الراجح يعنى المظنونات فانهم قد استدلوا به على وجوب اتباع الظن دون الوهم لان ترجيح المرجوح على

١٩٦

ـ الراجح قبيح عقلا ومقصود الشيخ قدس‌سره الاستدلال على وجوب اتباع الظن بمجموع الامرين اعنى بطلان الاحتياط وعدم جواز ترجيح المرجوح على الراجح لا بكل واحد فعلى هذا يحتمل ان يكون الواو بمعنى مع.

(قوله بموافقة الطرف الراجح فى المظنون) يعنى فى مظنون عدم التكليف (قوله) دون الموهوم يعنى ما كان عدم التكليف فيه موهوما بان يكون احتمال التكليف فيه مظنونا(قوله) لزوم الاحتياط فى غير المظنونات يعنى فى غير مظنونات عدم التكليف فى الصور الثلاث او الاربع على ما سبق.

١٩٧

(السادس) لو كانت المشتبهات مما يوجد تدريجا كما اذا كانت زوجة الرجل مضطربة فى حيضها بان تنسى وقتها وان حفظت عددها فتعلم اجمالا انها حائض فى الشهر ثلاثة ايام مثلا فهل يجب على الزوج الاجتناب عنها فى تمام الشهر ويجب على الزوجة ايضا الامساك عن دخول المسجد وقراءة العزيمة تمام الشهر أم لا وكما اذا علم التاجر اجمالا بابتلائه فى يومه او شهره بمعاملة ربوية فهل يجب عليه الامساك عما لا يعرف حكمه من المعاملات فى يومه او شهره ام لا.

ـ (التنبيه السادس) هل يفرق فى تنجيز العلم الاجمالى بين الدفعيات والتدريجيات وجهان بل قولان الظاهر لا فرق فى تأثيره فى وجوب الموافقة القطعية بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا لجريان الادلة المتقدمة واتحاد المناط فيهما فيجب على المرأة المضطربة التى تعلم انها تحيض فى الشهر ثلاثة ايام الاجتناب عن قراءة العزائم ودخول المساجد ويجب على زوجها الاجتناب عن وطيها فى تمام الشهر.

(وكذا) لو علم المكلف بان بعض معاملاته فى هذا اليوم او الشهر تكون ربوية فيجب عليه الامساك عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية مقدمة للعلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به من التكليف بترك المعاملة الربوية فان الشخص من اول بلوغه يكون مكلفا بترك المعاملة الربوية صباحا ومساء فى اول الشهر وآخره والتكليف بذلك يكون فعليا من ذلك الزمان غير مشروط بزمان خاص كالنهى عن الغيبة والكذب والى ذلك يرجع ما افاده الشيخ قدس‌سره بقوله والتحقيق ان يقال انه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا فى وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها اذا كان الابتلاء دفعة انتهى.

(وقس على ذلك) ما اذا كان للزمان دخل فى الامتثال من دون ان

١٩٨

(والتحقيق) ان يقال انه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا فى وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها اذا كان الابتلاء دفعة وعدمه لاتحاد المناط فى وجوب الاجتناب نعم قد يمنع الابتلاء دفعة فى التدريجيات كما فى مثال الحيض فان تنجز تكليف الزوج بترك وطى الحائض قبل زمان حيضها ممنوع فان قول الشارع فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ظاهر فى وجوب الكف عند الابتلاء بالحائض اذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء فلا يطلب بهذا الخطاب كما انه مختص بذوى الازواج ولا يشمل العزاب الاعلى وجه التعليق فكذلك من لم يبتل بالمرأة الحائض.

ـ يكون له دخل فى الملاك والخطاب كما لو نذر المكلف ترك وطى الزوجة فى يوم معين واشتبه بين يومين فان التكليف بترك الوطى يكون فعليا بمجرد انعقاد النذر والزمان انما يكون ظرفا للامتثال فاصالة عدم تعلق النذر فى كل من اليوم الحاضر والغد معارضة باصالة عدم تعلق النذر بالآخر فلا بد من ترك الوطى فى كل من اليومين مقدمة للعلم بالامتثال والخروج عن عهدة التكليف المنجز بالعلم.

(ثم لا يخفى عليك) ان محل الكلام فى هذا التنبيه السادس هو ما اذا لم تكن اطراف العلم الاجمالى موردا للاحتياط فى نفسها مع قطع النظر عن العلم الاجمالى واما فيه كما اذا علم اجمالا بانه يبتلى فى هذا اليوم بمعاملة ربوية من جهة الشبهة الحكمية فلا اشكال فى وجوب الاحتياط سواء قلنا بتنجيز العلم الاجمالى فى التدريجيات ام لم نقل به.

(والوجه فيه) ان الاقدام على كل معاملة يحتمل فيها الرباء مع قطع النظر عن العلم الاجمالى مورد للاحتياط لكون الشبهة حكمية ولا يجوز فيها الرجوع الى البراءة قبل الفحص.

١٩٩

ـ (هذا من جهة الحكم التكليفى) واما من جهة الحكم الوضعى فيحكم بالفساد فى كل معاملة تقع فى الخارج لاصالة عدم النقل والانتقال وتوهم جواز الرجوع الى العمومات الدالة على صحة كل عقد كقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مدفوع بان العمومات مخصصة بالمعاملة الربوية وعدم بقائها على عمومها فالشك فى الصحة والفساد انما هو من جهة الشك فى الانطباق لا من جهة الشك فى التخصيص وفى مثله لا يمكن التمسك بالعموم كما هو ظاهر هذا مضافا الى ان التمسك بالعموم ايضا مشروط بالفحص كما ان الامر كذلك فى الرجوع الى البراءة.

(اذا عرفت ذلك) فنقول ان تدريجية اطراف العلم الاجمالى تقع على اقسام (القسم الاول) ان تكون مستندة الى اختيار المكلف مع تمكنه من الجمع بينها كما اذا علم بغصبية احد الثوبين وكان متمكنا من لبسهما معا ولكنه اقترح لبس احدهما فى زمان ولبس الآخر فى زمان آخر ولا اشكال فى خروج هذا الوجه عن محل الكلام فان العلم بالتكليف الفعلى مع تمكن المكلف من الموافقة القطعية والمخالفة القطعية يوجب التنجز على ما عرفت.

(القسم الثانى) ان تكون التدريجية مستندة الى عدم تمكن المكلف من الجمع بين الاطراف ولكنه يتمكن من ارتكاب كل منها بالفعل وترك الآخر كما اذا علم بوجوب صلاة الظهر او الجمعة فانه وان لم يتمكن من الجمع بينهما فى زمان واحد إلّا انه متمكن من اختيار اى منهما شاء فى كل آن ونظيره العلم بحرمة احد الضدين اللذين لهما ثالث ولا ينبغى الاشكال فى تنجيز العلم الاجمالى فى هذا القسم ايضا بعد العلم بالتكليف الفعلى وسقوط الاصول فى اطرافه.

(القسم الثالث) ما اذا كانت التدريجية مستندة الى تقيّد احد الاطراف بزمان او بزمان متأخر والحكم المعروف فى هذا القسم تارة يكون فعليا على كل تقدير واخرى لا يكون فعليا الاعلى تقدير دون تقدير.

(اما القسم الاول) فلا ينبغى الاشكال فى تنجيز العلم الاجمالى فيه اذا

٢٠٠